أربيل 15°C الأحد 05 أيار 14:30

الأديبة اللبنانية هدى بركات: الرواية اليوم هي غوص في القلق وتساؤل عميق حول وعينا للعالم

کوردستان TV
100%

كوردستان تي في

أديبة من بلد الفن والجمال والإبداع لبنان. ولدت وعاشت هناك، أكملت دراستها الجامعية في الجامعة اللبنانية لتتخرج 1975 العام نفسه الذي اندلعت فيه الحرب الأهلية اللبنانية لتسافر بعدها إلى فرنسا حيث بدأت دراستها العليا، عادت بعد ذلك إلى لبنان لتعمل في مجالات التدريس والترجمة والصحافة، كتبت أولى مجموعاتها القصصية تحت عنوان (زائرات) عام 1989 لتسافر إلى باريس وتستقر هناك حتى اللحظة.

ترجمة مؤلفاتها إلى لغات عدة منها الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والأسبانية والألمانية، في العام 2019 فازت بجائزة البوكر العربية عن روايتها (بريد الليل)، أنها الأديبة والروائية اللبنانية هدى بركات.

في هذا الحوار القصير تسلط هدى بركات الضوء على واقع حال الرواية اليوم وظاهرة النشر على التواصل الاجتماعي وعن تجارب الشباب في الرواية وأهمية الجوائز الأدبية في حياة الأديب والروائي...

هل الرواية العربية في أحسن حالاتها اليوم؟

الرواية العربية تلتحق اليوم بعالم الرواية ككلّ وهي بدأت تحتلّ مكانها رغم العوائق المتعدّدة والكبيرة التي تعترض طريقها. لكن هذه العوائق تتأتى من خارج معيار الكتابة نفسها.

باختصار ما زلنا عالقين في تهويمات اضطراب علاقة الغرب بنا، لكن ذلك لا يجب أن يطال حرصنا على الجودة العالية في ما نكتبه. انتشار النتاج الأدبي العربي يعاني صعوبات فعليّة لكن اهتمامنا ككتّاب يجب أن ينصب على جودة ما نكتب وأن ننسى كل ما عداه. هذا ما أتمسّك به شخصيا وأحتار أحيانا كثيرة من ولع غالبية الكتّاب العرب بال"إعتراف" الغربي بهم بشتى الوسائل... كأن تُعتبر ترجمة كتاب ما إلى لغة أجنبية اعتراف عظيم بموهبة خارقة، و اعتبار تحققها تثبيت حيّز حقيقي في كادر العالميّة و.. الخلود... يخيّل إلي أن هناك، مع طوفان نشر الروايات، ضجيجا يصمّ الآذان عن الاستماع إلى الصوت العميق الذي يبعثه الفن الروائي في عالم اليوم القلق والمتحوّل.

لماذا اخترت العربية لغة لمؤلفاتك الروائية فقط رغم إقامتك الطويلة بفرنسا عكس بعض الأدباء المقيمون هناك ؟

قبل إقامتي في فرنسا أنا اختصاصي هو اللغة والأدب الفرنسي. لكن الكتابة بالعربية أكان قبل الهجرة أو بعدها هي مسألة خيار.

الواقع أن لي إصدارات أو منشورات باللغة الفرنسية لكنها خارج نصوصي الروائية. وأريد القول إني لا موقف سلبي عندي ممن يكتبون بلغة أجنبية، فهم متنوعون ولا ينتمون إلى فئة واحدة... يحدث هذا كثيرا اليوم مع جيل أبناء المهاجرين الذين للأسف فقدوا اللغة العربية، الفصحى على الأقل. أنا شخصيا تمسّكت أكثر بالعربية بعدما تركت لبنان... رغم التسهيلات والمغريات في دخول سوق "أوسع" تأكّد لي إقتران لغتي عضويا ووجوديا باللغة العربية التي أشعر أنها نهائيا البيت الأخير.

في النهاية وعلى أيّة حال إن جودة النص هي المقياس الأهم.

كيف تجد هدى بركات ظاهرة النشر على وسائل التواصل الاجتماعي؟

أنا دخلت عالم التواصل الاجتماعي من فترة لكن سرعان ما ابتعدت عنه... لذا لا فكرة لدي عن النشر في هذا المجال، ولا رأي لي لا سلبا ولا إيجابا.

ما الذي قد تشكله الجوائز الأدبية بالنسبة للأديب والروائي تحديدا؟

الجوائز الأدبية مهمة إجمالا، وهي شهادة تقدير لمنجز ما، لكن نحن الكتّاب العرب نوليها أهميّة مبالغ فيها إلى أبعد حدود لا أفهم لماذا! فهي قد تفتح معارك وتثير عداوات وأحقادا بشكل غريب وهذا الأمرلا يحدث حقيقة في أماكن أو لغات أخرى...

الجائزة الأدبية تفتح شهيّة أو فضول قرّاء ربما لم يهتموا بالعمل الفائز دون الجائزة. أو هي تلقي الضوء على كاتب شاب أو مغمور، وهي بهذا مفيدة أيضا لدور النشر التي تعاني حاليا من ظروف صعبة.

لكن الجائزة لا تصنع كاتبا، وهي بمجملها وليدة ظرف استثنائي وقد أقول اعتباطي حين يتعلّق بمزاج ومتطلّبات لجنة تحكيم معيّنة، لو تغيّر أفرادها لتغيّرت النتائج. هل ينبغي التذكير هنا بأن روائع أدبية أصبحت من كلاسيكيات الأدب العالمي أهملتها الجوائز في عصرها ؟ ولماذا لا نفترض أن حيثيات الجوائز قد تتخلّف عن إدراك منجز طليعي سابق لزمنه أو مربك في جدّته.

كيف تقيمين التجارب الشبابية في عالم الرواية؟

في الواقع لا أستطيع أن أقيّم "مجمل" التجارب الروائية الشابة، أولا لأنها متنوّعة وغزيرة ولم أطّلع عليها بما يكفي، وثانيا بفعل إقامتي بعيدا عن العواصم العربية حيث تتوفّر الروايات.

ودون الإدّعاء بمعرفة شاملة أظن أن نقلة نوعية تحدث حاليا في عالم الرواية العربيّة الجديدة كنّا بأشدّ الحاجة إليها. والأرجح أن وعيا جديدا بدأ يتشكّل بعد الهزّات العنيفة، بل الزلازل، التي أصابت المجتمعات العربيّة وما آلت إليه.

لقد انتهى على ما أعتقد سرد الكتّاب مالكي الحقائق والمبشرين بأوجه الخلاص. كاتب أو روائي اليقين، ذلك الذي يدّعي أنّه يملك الإجابات على حلّ المعضلات "الكبرى"، ويملك الدليل إلى اجتراع البطولات، قد تمت اليوم إحالته إلى صفحات الماضي المحدود السقف.

الرواية اليوم هي غوص في القلق وتساؤل عميق حول وعينا للعالم، وهي بحث في ذواتنا كأفراد متصلين حكما بالذات الإنسانية الكبرى. أسمّي ذلك الوعي بالشرط الإنساني... بدأت أرى هذا الاتجاه الجديد في الكتابة العربيّة، وهذا يحمل على الفرح فعلا. لقد آن الأوان...

صدرت رواية بريد الليل بأسلوب سردي مختلف ربما جديد في عالم الرواية، لماذا اخترت هذا الأسلوب تحديدا ليكون طريقك في رواية بريد ليل؟

لا أدري إن كان أسلوب كتابة الرسائل في "بريد الليل" جديدا على الرواية العربيّة.

لكنّي أودّ التوضيح بأن روايتي ليست ضمن ما يُعرف بأدب الرسائل، إذ أن الرسائل في هذه الرواية لا تقوم على سرد حكاية متتالية تسندها الرسائل لتشكّل قوامها.

إنها رسائل مختلفة المصادر/الشخصيات/الحكايات وما يجمع بينها هو قدر الغربة، أو القدر السردي للعبة التأليف بالمعنى الفنّي... لذلك هي مبتورة، لا تبدأ دائما بالبداية وأحيانا لا نهاية لها. كما أنها ليست مكتوبة لتصل إلى المرسلة إليهم، وكاتبها يعرف أنها لن تصل. إنها مقاطع من أصوات الوحشة المقيمة فينا أكنّا مهاجرين أو مقيمين.

هل جاءت كتابة الرسائل كمحاولة للتطهر النفسي والتخفيف من أعباء الذنوب؟

هذه الأصوات لا تدّعي البراءة أوحتى صدق الإعترافات أو التطهر النفسي. إنهم يشبهوننا حتى في كذبهم، وفي تحايلهم على شرط عیشهم كمهجّرين يسيرون في متاهات الوحشة ولا يريدون العودة إلى "الوطن" مهما بلغت تكاليف وأثمان هذا التيه، وحتى الموت.

ما السؤال الذي تطرحه رواية بريد الليل؟ 

أعتقد أن "بريد الليل" تطرح علاقتنا بما كنا نسمّيه "حب الوطن" والتعلّق بأرض الأجداد والحنين إليها. هذه الرومنطيقية انتهت. الآن نريد قول الكلام القاسي في بلاد لا تتوقّف عن القسوة علينا.

راميار فارس  

الثقافة والفن

التعليقات (0)

لا يوجد إلى الآن أي تعليقات

اكتب تعلیقاً

هل ترغب بتلقی الإشعارات ؟
احصل على آخر الأخبار والمستجدات