كوردستان تي في
يتناقل الجمهور مقاطع فيديو تظهر السياسي العراقي الدكتور أحمد الجلبي، قبل رحيله بأيام، متنبئاً بما سيحصل في العراق بسبب الفساد وسوء الإدارة.
لم يجد السياسي العراقي الراحل، الدكتور أحمد الجلبي، مفردة لوصف المبالغ التي تم نهبها أو إهدارها من أموال العراق أنسب من القول إنها "أسطورية"، بما للكلمة من معنى يتجاوز حدود الواقع، مردفا في كلام صريح، قبل وفاته بأيام، بالقول: إن التاريخ لم يشهد فصولا في السرقات كالتي شهدها هذا العراق بعد عام ٢٠٠٣!
وخلال كلمته، وهو الخبير في الاقتصاد والرياضيات، ورئيس اللجنة المالية النيابية، قال إن العراق قد لا يجد بعد سنوات ما يدفعه كمرتبات للمتقاعدين.
ولا توجد أرقام دقيقة بمقدار المبالغ التي أشار إلى هولها الجلبي، فالكثير منها لم يدرج في حسابات أو موازنات، ومن تلك أموال المساعدات الخارجية، وأرصدة النظام السابق، وأصول الشركات العامة، والمنشآت، والأراضي، وعقارات الدولة، ومصافي النفط والمصانع التي تم تفكيكها وبيعها لبعض دول الجوار ، وموارد المنافذ الحدودية، ومنافذ المحافظات، وأموال العتبات، والآثار المهربة، والجبايات، ومشاريع تبييض الأموال، والقوموسيونات التي تدفعها الشركات والدول في مشاريع استثمارية وعقود، وسوى ذلك الكثير.
لكن تقديرات تشير إلى أن المبالغ المنهوبة والمهدورة زادت على الترليون دولار، بعد اقتطاع الموازنات التشغيلية، وما صرف على بعض الخدمات ومرتبات المتقاعدين والرعاية الاجتماعية، والبطاقة التموينية وتبليط شارع أو شارعين.
مبالغ كان بإمكانها بناء جميع مدن العراق الاتحادي، بصناعته وزراعته، برفاهية شعبه، بتعليمه وصحته، ضاعت بسرقات مشرعنة وبغياب شبه تام للقانون، ومن أساليب شرعنتها اعتبارها أموالاً بلا مالك، ومن أساليب تهريبها مزاد العملة وتراخيص الاستيراد وعقود الاستثمارات الوهمية.
ويؤكد مراقبون ومتابعون للسياق التاريخي لنماذج حكومات العراق بعد العام ٢٠٠٣ ، أن القوى التي أحكمت قبضتها عليه، سواء بالسلطة المعلنة، أو الموازية،
لم تتعامل معه باعتباره دولة قائمة على أسس دستورية وعَلَمٌ وكيان، وإنما دولة بلا عنوان، وفي أحسن الأحوال؛ مشروعا تمهيدياً لدولة في علم الغيب، أو فناءً خلفياً لدولة أخرى، دون أن نغفل أن قوى منها تعاملت مع العراق بعداء، وبقصد الإضرار به، وتدميره.
وأسست القوى التي حكمت العراق لقيم جديدة- قديمة، وهي قيم دولة (الفرهود) التي يتناهبها الجميع كل حسب مقدرته واستطاعته، فأصبح نهب المال العام ثقافة شائعة، ومحل افتخار بين الجار والعشيرة.
وتسوق الجهات التي خضمت ربيع العراق طولا وعرضاً، أسباباً وذرائع للاستهلاك المحلي بغية صرف الانظار عن سرقاتها ونهبها وسوء أدارتها، ومن أساليبها للتعمية إيجاد أعداء في الداخل والخارج تلقي على شماعتهم مسؤولية ضياع المال العام وسوء الإدارة وتردي الخدمات، وتبرر من خلاله الصرف الملياري على الميليشيات والفصائل المنفلتة وجيوش الدعاية والفضائيات.
ولم تستثن أبواقها المأجورة إقليم كوردستان من الاتهامات الجاهزة، حيث يسوقون على جمهور يفتقر للتمييز مقولات مثيرة للسخرية، تزعم إن الاقليم يتم تعميره بأموال البصرة، ومن موازنات العراق، وأشياء من هذا القبيل الفج، كما يحملون دولاً، كالولايات المتحدة، والغرب عموما، مسؤولية تردي الخدمات وانقطاع الكهرباء والبطالة بين الشباب.
وإذا كانت الظروف الحالية وارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب بين روسيا والغرب على الأراضي الاوكرانية، أجلت تحقق نبوءة الراحل أحمد الجلبي إلى حين، فان استمرار سياسة الفشل والفساد ستؤدي إليها لا محالة.
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات