وحيال ما جرى في سنجار فمع أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد عبّر عن مئاربه مراراً للتقرب من الموصل وكركوك في تصريحاته ووعيده، ارتفعت وتيرة المطالبة بخروج حزب العمال الكردستاني من سنجار بما أن وجود التنظيم المذكور يعتبر حالياً من أبرز الذرائع لاعتداءات الجيش التركي على الإقليم، فالعدوان التركي على إقليم كوردستان منسّق، وأن استهداف مناطق آهلة بالسكان مقصود ومتعمّد، وعلى العمال الكوردستاني الانسحاب من سنجار وغيرها من المناطق الآهلة بالسكان لتفاديهم من إستهداف الطيران التركي، و للحد من الذرائع التي يتحجّج بها السلطات التركية لاستهداف تطور كوردستان وعرقلة مسيرته نحو الاستقلال".
وعلى اعتبار أن وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار هو بمثابة ذريعة جاهزة للجيش التركي، وعن الذريعة ككل يقول الكاتب عبد المنعم زين الدين بأن "سحب الذريعة من العدو أمرٌ إلهي وهدي نبويّ ووعي عقلي، حيث أن الله سبحانه وتعالى ينهانا عن سب آلهة المشركين كيلا يسبوا الله مقابل ذلك وفي هذا الصدد قال تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ)*، وبناءً عليه فعلى المرء أو القائد أو التنظيم السياسي أو العسكري أن لا يضع الحجة في يد العدو الذي عادة ما يحتاج الى الحجج أو الذرائع التي قد يبحث جاهداً عنها، والغاية من عدم إعطاء العدو الحجة هي أولاً لقطع الطريق على العدو ومؤامراته ومخططاته، وثانياً من أجل تجنب الضرر الذي قد يلتحق بالمنطقة أو الجهة أو الحزب أو الدولة من خلال تلك الذريعة
أنه ومنذ عقود وكلما أرادت تركيا ضرب تجربة إقليم كوردستان اتخذت من وجود حزب العمال الكردستاني هناك ذريعة لها، واليوم تشن عدواناً على مناطق في إقليم كوردستان بالذريعة ذاتها، إلا أنها في الحقيقة تركيا تستهدف إرادة الكرد وطموحاتهم الاستقلالية، فالعدوان التركي على مناطق كوردستانية في الإقليم يمثل رسالة واضحة تتعلق برفع علم كردستان في كركوك والاصرار في المضي بقضية الاستقلال، لذا فقد لا يختلف إثنان على هذا الرأي وهو ما قاله مستشار مجلس أمن إقليم كوردستان مسرور البارزاني الذي أكد في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن حزب العمال الكوردستاني هو السبب وراء الهجوم التركي على سنجار، وأن الحزب المذكور هو الذي يجر تركيا إلى المنطقة".
وبدورنا نقول بأن حزب العمال الكردستاني إذا كان فعلاً مع مصلحة الشعب الكردي في الإقليم، وإذا لم يكن تواجده هناك من أجل بسط سيطرته على بعض المناطق في الإقليم بحجة مناصرته للأخوة الايزيديين، أن يفرض نفسه بالقوة على إخوانه في أماكن أخرى ، بما أنه يدرك بأن الإخوة في إقليم كوردستان يتجنبون الصدام معه من باب حقن الدماء، ومن باب احترامهم له كطرف كردي لا ينبغي مقاتلته .
وحسب النائب الأيزيدي في برلمان كوردستان شيخ شامو أن "مسلحي PKK في شنكال وتحسباً من هجمات جوية تركية جديدة على مواقعهم بدأوا بتقليل عدد مقراتهم، وتابع شامو أن PKK ورط نفسه بمواجهة صعبة، وأوقع شنكال بمشكلة كبيرة، كما خلق مشاكل لإدارة المدينة ولا يزال يعرقل عملها"،.
فالورقة الكوردية في تركيا بالغة الحساسية لجهة التيارات القومية والإتجاه العسكري في تركيا لإنها برأيهم تشكل البؤرة الأمنية الأخطر بحكم كون الكورد يشكلون القومية الثانية وهم الأغلبية في نحو ( 19) إقليماً في تركيا ، وفي ذات الوقت فإن إبقاء هذا الجرح يتفتح ويتورم يعني أن ملف حقوق الإنسان والإصلاحات السياسية ستراوح في مكانها مثلما أكد آخر تقرير صادر عن البرلمان الأوروبي حول تعثر وبطؤ الإصلاحات في تركيا .
وبعيداً عن الملف الكوردي تعاني تركيا من ضيق أفق لا ينسجم مع الأفاق الرحبة للحرية الشخصية والفكرية التي تتوفر لدى الأسرة الأوروبية ، لذا يبقى الطريق الوحيد لخروج تركيا من المأزق هو أستمرارالإصلاحات والتناغم مع مناخ العصر من خلال الإعتراف بإن المعضلة الكوردية تستحق النظر بمنظار آخر ، فالحملات العسكرية والاستمرار في التعامل مع الحالة الكوردية على أساس التفكير الاتاتوركي يعني التأجيل المستمر لقبول تركيا في الإتحاد الأوروبي ، مثلما يعني بقاء ديمقراطيتها ناقصة إذا لم تجترح الحل العقلاني لهذه القضية الملتهبة .
وإذا كانت هذه الإصلاحات بحاجة إلى الاستمرار والمراكمة فإنها أيضاً تستحق أن يتوقف حزب العمال الكوردستاني عن الإستهدافات التي تطال الى تركيا من دول الجوار ،وأن يبادرلتقديم الخيار السياسي على الخيار العسكري الذي أفرز منذ 1985 ولغاية 1999 على نحو ( 30 ) ألف قتيل دون أن يحقق إنجازاً فعلياً على الأرض .
لقد كانت ورقة حزب العمال الكوردستاني هي الورقة التي ظل ومازال الجناح العسكري في تركيا يلوح بها لضرب تجربة إقليم كوردستان ، وهي التجربة التي لم تنظر إليها تركيا يوماً بعين الإرتياح والطمأنينة ما عدا لغة المصالح المتبادلة بعيداً عن تشنجات الموروث الايديولوجي القومي التركي .
وبصدد المواقف الاقليمية والدولية في موضوع الاستفتاء على استقلال كوردستان، مايًعتبر أولى الخطوات نحو تشكيل دولة مستقلة طال انتظار الكورد لها.
سبق لقناة (TRT) التركية الرسمية أن نقلت عن وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو،ان بلاده مستعدة للاعتراف باستقلال كوردستان،شرط ان تراعي الدولة الوليدة الامن القومي التركي ، وان تكون هناك اتفاقات عسكرية بينهما، تمنع استخدام اراضي هذه الدولة ضد تركيا من قبل معارضيها .
قال مسؤول العلاقات الخارجية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هوشيار سيويلي ،
" نعتقد ان اجراء محادثات اوسع مع تركيا وشرح وتوضيح استراتيجية اجراء عملية الاستفتاء لها ، ستساعد على ان تكون لتركيا تفهم افضل للقضية وموقفها سيكون ايجابياً " .
بأن دولة كوردستان القادمة ستكون عامل استقرار وسلام في المنطقة والشرق الاوسط عموماً " .
واليوم أن تزداد الحالة الكوردية في العراق قوة بفعل ترتيب البيت الكوردي ، تشعر تركيا أكثر من أي وقت مضى من تسرب هذه الأنوار الساطعة إلى كوردستان تركيا ، ورغم أن الجسم السياسي الكوردي في العراق أعلن مراراً عدم رغبته في أشعال أي بؤرة إلتهاب في تركيا ، بل وصارحت تركيا بإنها مستعدة للتحاور على أساس إيجاد حل سلمي عادل للقضية الكوردية هناك.
ربما تنظر تركيا هذه الأيام إلى أرشيفها مجدداً لمراجعة إتفاقاتها مع النظام العراقي السابق منذ عام 1983 التي أباحت لها الدخول إلى العمق العراقي لمطاردة نشطاء حزب العمال الكوردستاني ، وهي التي فعلت ذلك مراراً وتكراراً إلى حد إعتبار ذلك مجرد " نزهة سياحية " ، ولكن يجدر بها الآن أن تكون قد تعلمت من موقف الشارع الكوردي في العراق قبيل التحرير حين نزل عشرات الآلاف إلى الشوراع مصوتين بـ ( لا ) للتدخل التركي لما يثيره ذلك من حساسيات بالغة ، مثلما أن عليها أن تدرك أن حماية تركمان العراق هي مهمة عراقية بالدرجة الاولى أما قبرصة كوردستان العراق فهي وصفة غير مجدية ولا تعبر إلا عن منتهى السذاجة فجمهورية شمال قبرص التي أنشأتها تركيا ولم تعترف بها سواها ، حجر عثرة كبير للدخول التركي في النادي الأوروبي وتكرار التجربة في كوردستان العراق سيزيد سمك الجدار العازل بين النظام التركي والمجتمع الدولي .
من جانبه،وحول وجود حزب العمال الكوردستاني PKK على اراضي الاقليم والذي تعتبره تركيا تهديداً لها ، قال مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة اقليم كوردستان ، فلاح مصطفى ، ان لاقليم كوردستان شرعية قانونية دولية ودستورية، كل من هو موجود على اراضيه عليه احترام القوانين النافذة في الاقليم . موضحاً ان " PKK أو اية قوة اخرى تريد ان تكون لها مقرات على اراضي الاقليم يجب ان تحترم هذه القوانين وان لاتشكل تهديداً لدول الجوار ، حتى لاتتخذه هذه الدول ذريعة للتدخل في اقليم كوردستان " .
موضحاً ، بالقول " نحن في اقليم كوردستان، مع عملية السلام في تركيا وإخلاء PKK لاراضي اقليم كوردستان، لان وجودهم يتسبب بمشاكل للاقليم ".
وختاماً إن حزب العمال الكردستاني من خلال تشبثه بمكتسبات الآخرين، وإذ كان فعلاً لا يريد الشر للإقليم وناسه، فعليه بادئ ذي بدء أن يعلن إنسحابه وأن لا يغدو مسمار جحا لدى قادة أنقرة، وأن يعتبروا من تجربتهم في عفرين ، ومراجعة ذاتهم ليغدوا بسياسة تجنب الكوارث ، عوضاً عن المغامرة في حرب لا توازن بين طرفيها ، ورجوح الكفة لصالح الخصم محتم، وان تكون مصلحة الشعب الكوردي أبدى من مصلحته الحزبية ، وإذا كان العمال الكردستاني فعلاً يريد كشف حقيقة موقف القادة في أنقرة عليه المسارعة في الخروج من شنكال، وأن يكف اللعب بمصائر المناطق الكوردية بدعوى الدفاع أو ما شابه ذلك من الحجج التي يسوقها الحزب المذكور للتدخل في شؤون المناطق الكوردية رغماً عن أبنائها، وأن لا ينسى الحزب المذكور وقادته قط بأن ميدان حربهم الحقيقية هي في كوردستان تركيا وليس في إقليم كوردستان أو سوريا.
فحزب العمال الكوردستاني فإنه في أمس الحاجة لمراجعة مجمل ممارساته على الأرض من خلال تبني خيار الإندماج في تحالف مع الأحزاب الكوردية الأخرى في تركيا ، والأبتعاد عن عمليات تعتبر بالمعايير الأوروبية مستهجنة حين تستهدف المدنيين وتوخي عدم أهداء تركيا أية فرصة لتهديم البيت الكوردي الآمن في العراق.
رفعت حاجی
عادت القضية الكوردية مرفقة باسم حزب العمال الكوردستاني إلى واجهة الأحداث في تركيا ، والتهيؤ لإجتياح إقليم كوردستان بذريعة يعتبرها الأتراك معقلاً لقواعد حزب العمال الكوردستاني، عندما صرح الرئيس التركي يوم الاثنين الماضي، قبل مغادرته لحضور قمة مع زعماء الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، أن" تركيا ستتخذ كل ما يلزم إذا فشلت عملية الحكومة العراقية في سنجارلطرد مقاتلي الPKK "..
والواقع أن الجناح العسكري في تركيا لم يخف يوماً رغبته في هذا الإجتياح ، إلا في الظروف التي كان يضطر لتأجيل مواعيده وتخفيف حدة تصريحاته تحت ضغط وإشتراطات الإتحاد الأوروبي الذي تتلهف تركيا للدخول فيه .
والذَّريعَةُ هي الوسيلة والسّبب إلى القيام بشيء ما قد يكون الخصم كان يحضر له من فترة طويلة، عادة ما يحاول إيجاد الذريعة ليستند إليها للقيام بما كان يستبطنه ويخطط له، أو يقبض بناصية الحجة لكي يبرر فعلته أو عدوانه من خلالها.
يبدو للمتابع أن الحروب عبر التاريخ تبدأ بذريعةٍ ما، ولا يعني ذلك أنها لم تكن لتحدث الحروب لولا تلك الذريعة، لكن العدو يقوي موقفه أمام شعبه وعسكره من خلال تلك الذريعة التي يقدمها له الخصم على طبق من ذهب، أو يختلقها العدو اختلاقاً حتى يحقق مآربه عبرها.
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات