الحلقة الأولى :
كما سجلت صفحات التاريخ العالمي والإسلامي مراحلها الكبرى , القديمة والحديثة , التي طغت على بقية مراحلها وأستأثرت بالذكر على الألسن وفي الدراسة في العقول , مثل فتوحات الأسكندر المقدوني في الشرق ومعاركه المشهورة فيه التي غيرت وجه العالم القديم , ومثل الهجرة النبوية الشريفة التي غيرت وجه التاريخ البشري والإنسانية , أو فتح الأندلس بيد المسلمين الذي كان السبب في خلق ثنائية الشرق ـ الغرب , أو فتح القسطنطينية الذي قاد لتكوين الإمبراطورية العثمانية ,أو عند كتابة مكيافللي لأميره 1513 وما أحدثه من نقلة فكرية جسيمة في ميدان السياسة , أو حروب نابليون بونابرت التي قادت إلى صناعة الدول الأستعمارية وقادت إلى الحربين العالميتين , أو عند صدور ( في أصل الأنواع عن طريق الأنتقاء الطبيعي ) لداروين في 1859 , أو أحداث 11 من سبتمبر التي صنعت الإرهاب العالمي , مثل كل هذه الأحداث الكبيرة في التاريخ , الكرد في العراق صنعوا حدثهم الواقعي والتاريخي الكبير في 25 أيلول 2017 بنجاح عملية أستفتاء الأستقلال عن العراق وتقرير مصيرهم .
طبيعي أن تكون لهذه العملية ردود أفعال مختلفة رفضا وقبولا من قبل القوميات الأخرى داخل وخارج العراق ومن قبل ساسة العراق والعرب والعالم , وما يهمنا هنا هو آراء المثقفين حول ما بعد نجاح هذه العملية ورسالاتهم للشعبين الكوردي والعربي في العراق .
وجهنا هذين السؤالين بشكل فردي :
ما هي رؤيتك لمستقبل العلاقات الكوردية ـ العربية في العراق بعد أن نجحت عملية أستفتاء الأستقلال ؟
وكيف ينبغي أن تكون رسائل المثقف الكوردي والعربي في مثل هذه الظروف الحرجة ؟ لمجموعة من الكتاب والمثقفين والشعراء عربا وكوردا لنستفيد من آرائهم ورؤيتهم لهذه المرحلة , فهم غذاء للمجتمع الذي يعيشون فيه ويعيش بهم الوعي المجتمعي , فكان لكل واحد منهم جوابه الخاص على السؤالين ننقله كما هو دون أية تغييرات :
* الروائي والصحفي الكوردي المعروف نوزت شمدين أجابنا بـ : لا يمكن أن تقاس العلاقة الكردية العربية بمسطرة الواضع الراهن المزدحم بالأحداث والصراعات والتوترات والمصالح المتشابكة . والمسألة ليست مجرد فريقين سياسيين أختلفا أو توافقا على قضية ما , فهنالك عمق تاريخي للعلاقة يمتد إلى مئات السنين من التعايش والتصاهر والعمل والجيرة لا يمكن محوها بالسهولة التي يصورها البعض في الإعلام . وفي النهاية يجب أن تحترم إرادة الشعب وخياراته وقراراته ما دامت قد أتخذت بنحو جمعي لمستقبل أفضل .
وأجد أن على المثقفين الكرد والعرب على حد سواء , رفع أغصان الزيتون قبل غيرهم , وتوجيه المجتمع باستمرار لتغليب لغة الحوار وتفهم القضايا المشتركة ومناقشتها في إطار من الحب والسلام . فنحن في أكثر بلد عاش حروبا وصراعات في المنطقة طوال عقود بسبب العقليات الدكتاتورية التي تعاقبت على حكمه .
ويضيف الأستاذ شمدين : ماذا جنينا من كل ذلك غير الوجع والتردي في مختلف مجالات الحياة . لنجعل من الأستفتاء الكردي فرصة لمراجعة أنفسنا كل في موقعه ونتساءل : لماذا نريد / يريدون الأستقلال ؟. الحصار والبندقية وسيلتان استنفدتا في حقب سابقة وأثبتتا فشلهما الذريع . لا مناص اليوم , لا بد من العقل والحكمة والكثير جدا من الرغبة في السلام .
* الصحفي والإعلامي غسان خضر أجاب : في الحقيقة الوصول إلى جواب كهذا لا يمكن الحصول عليه بالتخمين او الأستقراء , الجواب يحتاج إلى بحوث واستطلاعات رأي حتى نستطيع الحديث على وجه الدقة . من خلال متابعة الشارع الأفتراضي ربما تستطيع أن تصل إلى نتيجة تقريبية وهي أن لا وجود لخلاف كوردي عربي , الأزمة سياسية بحتة , وبجواب أدق بين رموز سياسية , فمثلا حتى الناقمين على الأستفتاء من غير الكورد يرون في كوردستان بلدا استطاع أن يلتحق بركب الحضارة , في حين هم غارقين في وضع أمني متردٍ , وعليه فإن تجربة الأستفتاء ربما تجعل العرب ينظرون نظرة احترام الى الشعب الكوردي الذي استطاع أن يضمن حقه , وربما يبحث الشارع العربي عن شيء مماثل , كالدعوات إلى إنشاء إقليم سني , والتي بدأت تلقي رواجاً .
ويضيف الأستاذ خضر مبديا رأيه عن المثقف الكوردي قائلا : المثقف الكوردي أكثر أنفتاحا على العرب من العربي على الكوردي , والسبب أن المثقف الكوردي حتى يكون مثقفا عليه أن يجيد العربية , ومع إجادة العربية يكون أكثر أنفتاحا وتقبلا للآخر , في حين المثقف العربي ليس مجبرا لتعلم الكوردية , وبالتالي يرى الحقيقة من زاوية واحدة , عادة ضيقة . المثقف العربي لا ينبغي أن يكون متحزبا يتحدث بفوقية عربي تعامل الكوردي معاملة الموالي . والمثقف الكوردي يجب أن لا ينساق وراء الداعية التي تريد أن تجعل من العراق بلدا مجرما يجب الانفكاك عنه مهما كلف الثمن , يجب أن يكون خطاب الكوردي خطاب المدافع عن حقه مع احتفاظه بتقبل الآخر ومن ثم أحترامه .
* د. عبداللطيف ياسين الكوردي , الكاتب والسياسي المعروف يقول : مستقبل العلاقة بين الكورد والعرب له تاريخ طويل ليس من السهل التنصل من تلك العلاقات , لأن تلك العلاقات غدت تشمل العلاقات الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية والنفسية , والذي يجلب الإشكالية هو افتعال المشاكل والتميز القومي بين الشعبين , وأؤكد على أن القومين ليس لديهما مشاكل سوى المفتعل أو تسيس المشكلة إلا مشاكل قليلة قد تبدر وتحدث حتى بين أفراد قوم واحد كحالة إنسانية وليس قومية . وستستمر هذه العلاقة بين القومين . قد تعتريها بعض الصدمات والمشاحنات ولكن لا تصل لحد القطيعة بأستثناء العلاقة السياسية الأكثر عرضة للتصادم والقطيعة , والمد والجزر .
وأضاف د. ياسين : نحن عانينا على مدى التاريخ المعاصر بأيدي بعض المثقفين الراديكاليين كانوا أكثر تهورا من سياسي صاعد , وهم بدورهم أثروا حتى على العلاقات الداخلية بين القوم الواحد , فقد كان الأنتماء الأيديولوجي هو الطاغي على جميع الأنتماءات الأخرى إن لم نقل المقدسة منها , وهذه النماذج كانت موجودة بين جميع الأحزاب والجهات . أما اليوم فيجب على المثقف الكوردي ينصب جل اهتمامه على إيصال رؤية الكورد في هذه المرحلة , وهي بناء دولة كردستانية إلى جميع شعوب العالم وعلى الأخص دول الجوار , حيث تربطنا علاقات كثيرة كما أشرت , فنحن غير مستغنين عن التورك فهم إخوة لنا وجار لنا تربطنا تاريخ وجغرافية مشتركة وكذا الفارس والعرب قد يكون أكثر .
وأشار د. ياسين إلى الفجوة الحاصلة بين المثقفين الكوردي والعربي حيث قال : نحن عند مشاركاتنا في الندوات والمؤتمرات نلاحظ فراغا هائلا بين المثقف الكوردي والمثقف العربي لأن المثقفين العرب أكثرهم لا يتمتعون برؤية واضحة بينة عن حقيقة مطالب الكورد وحقهم في تقرير مصيرهم وهم غير منكرين للحقيقة وإنما يفتقدون المعلومة والمعرفة بواقع كوردستان وحقيقة مطالبهم ودحر الشبهات حول القضية الكوردية من الجانب الشرعي والفكري والسياسي والاقتصادي . وأعترف أن المثقف الكوردي مقصر في أداء هذا الواجب على وجه العموم لا الإطلاق . والمرحلة الراهنة تحتاج إلى رسل المثقفين الكوردستانيين من جميع المكونات ليخاطبوا المقابل بلسانهم .
نشكر أساتذتنا الذين جاوبوا على أسألتنا ...
إعداد
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات