لست ادري ماالذي شدني وجذبني في هذا الموقع على وجه التحديد ..!!
فقد سبق أن زرت آثاراً كثيرة ، وعلى جانب كبير من الضخامة والأهمية ، ولكن تل نادر كان له في نفسي وقعه المميز ، وسحره الخاص .. ربما كان ذلك بسبب 7000 من السنين التي يخفيها تحت أديمه ، ويضمها بين طبقاته ..
كانت التلة ترتفع عما حولها فقط عدة امتار ، ويلفها شريط يحدد اطراف الموقع .
وكان مظهر التل عاديا ، حفرة هنا ، وحفرة هناك ، وبعض الحجارة والصخور لا تلفت انتباه المارة العاديين ، ولا تثير فضولهم .
لذلك .. فقد كان سؤال ملحٌّ يتردد في خاطري .. كيف استطاع الاستاذ نادر ان يخمن ان هذا التل يخفي أسراراً وأخباراً لا تخطر على بال ..!
أهي خبرة المتمرس المتمكن من نظرته الى موطن الآثار ، أم هو نداء الآلاف من السنين ، التي لم تجد صدى سوى عند الاستاذ نادر ، الذي أحب الآثار وهام بها ، حتى أضحت شغله الشاغل .
مهما يكن .. فان هذا التاريخ الموغل في القِدَم ، الضارب في عمق آلاف السنين ، جعلني أتعثر في مشيتي على أديم هذا التل رهبةً وارتباكاً وتردداً ، هذا التل الذي تعاقبت عليه حضاراتٌ بعد حضاراتٍ بعد حضارات ، وها نحن الآن نحاول ان نستنطق الترب والحجر ، لنميط اللثام عن أحجية من أحاجي الزمن الغابر ...
يعد تل نادر (1) الأثري ، أحد أهم التلال الأثرية في مدينة أربيل أقليم كردستان ، يعود تأريخه الى سبعة الاف سنة، يقع في حي حصاروك خمسة ، على بعد 3,6 كم إلى شرق الشمال الشرقي من قلعة أربيل ، مساحته هكتار ، وأرتفاعه 5م .
تم اكتشاف التل عام 2009 عن طريق الصدفة عندما كان الاستاذ نادربابكر (2) مدير أثار أربيل ، يتجول في حي حصاروك وبحكم اختصاصة أثارت هذه التلة انتباهه ، فأدرك انها تلة أثرية.
في عام 2009 حصل البروفيسور كونستانتينوس كوبانياس (جامعة أثينا ، اليونان) على موافقة المديرية العامة للآثار في أربيل لإجراء حفريات في تل نادر وتل باقرتا ودراسة النظريات القديمة والجديدة المتعلقة بموقع ساحة معركة غوغميلا ،
المعركة التي دارت بين الإسكندر الأكبر ، وداريوس الأخميني 331 ق.م وانتهت
لصالح الاسكندر . وتعتبر هذه أول حفريات أثرية يونانية في بلاد ما بين النهرين.
خصصت مديرية آثار أربيل خبراء أثريين للعمل مع البعثة اليونانية مع فريق من طلاب قسم الآثار ، جامعة صلاح الدين \ أربيل (3)، برئاسة الأساتذة أحمد ميرزا، حيدر حسين، نادر بابكر، شوان احمد محمود.
قبل التنقيب ، قام الفريق بمسح المنطقة ، وقد اشارت الاكتشافات السطحية إلى أن تل نادر يعود الى عصر حسونة، حلف ، عبيد ، الوركاء ، وصولاً إلى العصر الآشوري الوسيط والحديث 1500- 612 ق.م .
بعد ان تبين اهمية الموقع تم إيقاف أعمال البناء و إعلان هذا التل موقعًا أثريًا ، وهو غير مسجل لحد الان ، وقد اطلقت البعثة اليونانية اسم الاستاذ ( نادر ) على التلة ، لدوره الأساسي في اكتشاف الموقع ، والحفاظ عليه .
• تنقيبات الموسم الأول في أبريل 2011 :
بدء أعمال الحفر في الجزء الشمالي من التل ، في مساحة 15×15م . وقد كشفت الحفريات حتى الآن عن طبقة واحدة تعود لعصرالعبيد حوالي (5500-4000 ق.م) .
• عمارة تل نادر:
لم تكشف الحفريات حتى الآن عن وجود أي مَبان ،على الرغم من العثورعلى العديد من اللبن (الطوب) المجفف تحت الشمس، التي تشير إلى وجود بقايا معمارية في المنطقة. بعد إزالة الطبقة السطحية ، ظهرت جدران بسيطة من الطين دائرية الشكل ( أفران طين دائرية) ، تعود لأواخرعصرالعبيد ، الأولى دمرت جزئيا ، كان جزء من جداره مكسورا في العصورالقديمة وتم نقله من موقعه الأصلي ، والثانية لم يتضرر داخله دفنت أمرأة بالغة ، والثالثة ، لا يزال الجزء الداخلي غير مدروس .
تم العثورعلى مثل هذه الجدران الدائرية ذات الأبعاد المماثلة ، في تبة كورا (4)
Tepe Gawra حيث تم استخدامها كأفران أومواقد، وتل عربجية وتل زيدان (سوريا )من الطبقات المعاصرة مع تل نادر.
والأكثر أهمية هو ....العثور على فرن صغير بيضاوي الشكل، وطبقة سميكة من الرماد حولها، وبناء ذو فوهتين (5) من الطين المجفف بالشمس (فرن كبير) مع جدران غير منتظمة مشابهة مع فرن فخاري من غرفتين في يارم تبهI . كما تم اكتشاف ترتيب دائري للحصى مع الطين المحروق بينهما ربما كان يستخدم كموقد أو مكان عمل ، وظهرت كمية من الحجارة مرتبة على شكل دائري.
• تنقيبات الموسم الثاني أغسطس 2012 :
وصلت الحفريات في هذا الموسم الى عمق 1م ، وقد ظهرت أربع طبقات أثرية :
الطبقة الأولى : التربة السطحية التي يرجع تاريخها إلى العصرالحجري المعدني
حتى العصرالحديث .
الطبقة الثانية A : التربة السطحية التي يرجع تاريخها إلى العصرالحجري المعدني حتى العصر الآشوري الوسيط .
الطبقة الثانية B: يرجع تاريخها الى عصرالعبيد المتأخر .
الطبقة الثالثة : يرجع تاريخها إلى عصرالعبيد المتأخر/ الوركاء المبكر.
الطبقة الرابعة : تم الوصول إليها فقط في المنطقة المجاورة للفرن الكبيرالذي اكتشف في الموسم الأول ولم يحدد التأريخ بعد.
بعد ان قام الفريق بإزالة الطبقة الأولى اكتشف : جدار لايعرف تاريخ بنائه ، شيد بالطوب المجفف في الشمس ، وطبقة سميكة من الطين الأبيض ، والتي كانت إما أرضية فناء (حوش) مماثلة للتي اكتشفت في تل براك في شرق سوريا ، أو طبقة من الطوب الطيني الساقط .
كما عثر في الجزء الجنوبي من الحفريات على عدد من الحفر، التي تم حفرها في وقت لاحق وقطع الطبقة الطينية البيضاء، ربما تعود إلى العصر الاشوري الوسيط أوالفترة الميتانية.
كما واصل الفريق التنقيب داخل الفرن الكبير ، الذي تم اكتشافه خلال موسم الأول داخله تم اكتشاف فتحة هواء والمخلفات التي تشير إلى إنتاج الفخار، وربما أيضا تذويب النحاس.
وكشفت الحفريات عن منطقه كبيره مغطاه بالطين الأبيض إلى الجنوب من الأفران ، وطبقة سميكة من الرماد ، مما يدل على أنه في هذا الموقع بالتحديد ، كان هناك نشاط صناعي لفترة طويله.
• تنقيبات الموسم الثالث 2013 :
سلط موسم التنقيب لعام 2013 الضوء على طبقة أعمق (الطبقة 5) ،
كان الهدف الأول للتنقيبات في هذا الموسم : هو التنقيب عن الطبقات الأقدم ، التي تقع بقرب من اثنين من الافران المزدوجة من فترة العبيد المتأخرة / الوركاء المبكر.
فرن من عصرالعبيد في تل نادر (6) ...
ففي هذا الموسم ظهر شكل معقد جداً يتكون من غرفة طويلة على شكل بيضوي مع ثلاث (أفران) ومكان تهوية . الحجم الصغير للتنور (الفرن) يوحى بأنه استخدم لصناعة الفخار والأواني وبعض الدمى من الطين ، وربما بعض المواد المعدنية ... كتب د.كوبانياس"ولعل تحليل بقايا الأثار يساعدنا على الاجابة عن الأسئلة الكثيرة ".
كشف المنقبون في قرية (يارم تبه) عن أفران خاصة لتعدين أو صهر خامات النحاس والرصاص ، هو الأقدم والأفضل في الشرق الأدنى ، إذ تشير تلك الافران الى مستوى متطور من التخصص الصناعي في تلك الفترة وقد تم الكشف عن عدد من الأدوات المصنعة من النحاس ومواد معدنية أخرى .
فهل هذا يعني ان الأفران المزدوجة في تل نادر تطورلأفران يارم تبه اومشابهه لها أم الاقدم منها ؟
والهدف الثاني للتنقيبات : كشفت الحفريات في الموسم الثاني عن منطقه كبيره مغطاه بالطين الأبيض ، خلال هذا العام تم تنظيف سطحه بعناية ، من أجل تحديد أين تم بناء هذا داخليا أو نشأ بشكل طبيعي من قبل الأمطار وضغط التربة.
لقد اكتشف أنه تم بناؤه عن قصد ، ولكن ليس عن طريق استخدام الطوب الطيني ، بدلا من ذلك ، تم استخدام ترسب الصلصال ( الطين ) غير المصقول، وكان الغرض علي الأرجح بناء نوع من المنصة ، والتي كانت تستخدم من قبل الخزافين، الذين عملوا في الأفران.
بعد التخلى عن المواقد والأفران، استخدمت هذه المنطقة للتخلص من مخلفات المستوطنة ومكان دفن أربعة أطفال(7) ، بدون أي أدوات دفن.
• فخار تل نادر.. (8)
يعد الفخار من اهم وسائل معرفة العصر الذي تعود اليه الطبقات السكنية في غياب الادلة الكتابية ، الى جانب قيمة الفخار الفنية واختلاف طرزه واشكاله والوانه في الادوار الحضارية المختلفة الى درجة أن الفخار اصبح هو الاساس الذي يتم من خلاله تمييز الادوار الحضارية في عصور ما قبل التاريخ ..
الغالبية العظمى من الكسر الفخارية التي تم جمعها في الموقع مؤرخة الى العصر الحجري المعدني ، وتتكون بشكل رئيسي من فخارالعبيد الشمالي وهوأطول زمنا في الموقع ، بالاضافة الى فخار المرحلة الانتقالية و تبة كورا ، مع الاكتشافات المتفرقة من عصر حسونة ، سامراء وحلف ، العبيد ، الوركاء ، ..
اكتشاف هذه الفترات في تل نادر تؤدي إلى افتراض أن من المتوقع وجود طبقات كاملة من أواخر العصرالحجري الحديث Neothilic (٥٦٠٠ ق.م ) والمعدني Chalcolthic (٥٦٠٠-٣٥٠٠ق.م) .
تتشابه مواد العبيد الشمالية في تل نادر بشكل جيد مع تبة كورا واريدو وأوروك– إيانا(الوركاء) في جنوب بلاد ما بين النهرين، وكذلك تل حمام التركمان في سوريا .
كشفت خلال التنقيبات عن كمية كبيرة غير متوقعة من فخار دورحسونة ، التي ربما تم نقلها من خلال أنشطة البناء ، ومن المميز هي husking-trays (9) قطعة واحدة لها زخرفة القير ، والتي عرفت من أواخر العصر الحجري الحديث على سبيل المثال في تل صبي أبيض قرب البليخ في سوريا ،
ولا اعلم لماذا لم يقارن د. كوبانياس هذة القطعه مع الأشكال الفخارية المعروفة من تل حسونة ما يعرف بـطبق نزع القشورعن سنابلها husking-trays التي كان أول ظهور لها في حسونة ، كما اكتشفت قطع من أكتاف جرة تشبه أشكال جرمو، لكنها بحاجة للدراسة .
تؤدي الاكتشافات العديدة نسبيا للفخارالأشوري الوسيط المميز ، التي تم جمعها خلال المسح السطحي قبل الحفر، إلى الاستنتاج بأن هذا الموقع كان لا يزال قيد الاستخدام خلال تلك الفترة .
• الآلات والأدوات الحجرية :
أنتجت الحفريات مجموعة كبيرة من الأحجارالمتفرقة وقد كانت المواد الخام المستخدمة أساسًا في إنتاج الأدوات الحجرية هي الصوان (94٪) والأوبسيديان (2.28٪ ) .
تم إرسال عينة من اكتشافات الزجاج البركاني (الأوبسيديان) إلى كندا للتحليل ، تبين أنها تعود إلى سلسلة جبال بينغول ، جبل نمرود أو شرق تركيا ، وقد كان استيراد الزجاج البركاني من قبل سكان كردستان يعود الى العصورالقديمة .
وربما كان الصوان من أصناف وألوان مختلفة من أصل محلي وتم إنتاجه بواسطة الحصى الموجود في الأنهار المجاوره ، وهذا يدل على أن الأشخاص الذين عاشوا في تل نادر كانوا يستخدمون المواد الخام المتوفرة محليا ، ولكنهم أيضا يشاركون في شبكة تجارية بعيدة المدى.
عثرعلى مجموعة من الأدوات النصلية تعود لعصرالعبيد من المقاشط ، والشفرات الحجرية ، ورؤس حراب (10) ، من حجرالصوان وحجر الاوبسيدان.
كما عثرعلى صنارات الأبواب مصنوع من الحصى الطبيعي النهري، و إناء حجري من المرمرالألباستر (11) ، ومغازل طينية مشابهة لتلك المعروفة في العديد من مواقع شمال ما بين النهرين منها تل قالينج آغا ، وسدادات طينية مصنوعة من الطين المشوي ، وكرات المقلاع الطينية (12) مشابها جدا لتلك الموجودة في تل زيدان وتل حموكار في شمال شرق سوريا .
كما احتوت بعض من العينات على كميات صغيرة من شظايا الفحم، وخرز صغيرة من مختلف الألوان (الأسود والأبيض والرمادي والأخضر)، وأدوات الزينة من الطين المشوي (الفخار) منها أساور الأطفال .
• الدمى الحيوانية (13) و مسامير الطين:
ان الدمى سواء كانت مصنوعة باشكال آدمية ام حيوانية كانت معروفة في بلاد ما بين النهرين منذ عصور قديمة اذ جاءتنا مجاميع منها (حجرية أو طينية) من موقع جرمو، وكذلك بعض كسراتها من موقع ملفعات ويارم تبة .. وفي موقع قالينج آغا عثرعلى ( دمى طينية ) بشرية وحيوانية مختلفة والعديد من النماذج الطينية التي لا تعرف ماهيتها .
اثنين من أكثر الاكتشافات إثارة للاهتمام في تل نادر هي التماثيل الحيوانية الطينية ، التي كانت بمثابة ألعاب ، تشبه إلى حد بعيد اكتشافات عبيد من موقع تبة كورا .
وأهم مكتشفات الموسم الثاني كانت دمية على شكل طائر(14) من عصر العبيد، مصنوعة من طينة مشوية ، ومكسورة في رأسها ، مزخرفة ،عليها نقوش على هيئة خطوط متقاطعة ، باللون البني .
ان دمى الطيور قليلة بالنسبة الى دمى عصورما قبل التاريخ وأن دمية الطائرفي تل قالينج آغا تعتبرالاولى من نوعها تعود لعصرالحلف، ودمية الاربجية تشبه دمية قالينج آغا تعود لعصر حلف .
اكتشاف آخر مثير للاهتمام هو كائن على شكل قرن مجزأ (15) لا يسمح لتحديد نوع الحيوان ، وقطعة مخروطية في نهايتها العليا ، مكسورة ، وكان هذا الاكتشاف ذو أهمية كبيرة عند البعثة اليونانية ، وقد تم تفسير مثل هذه الأشياء كرموز أو قطع ألعاب ، ووجدت هذة الاشكال ايضا في مقبرة تبة كورا في طبقة 18 داخل القبور ضمن مقتنيات جنائزية .
كما أنتجت الحفريات أيضا مسامير الطين Tonnägel(16)، والتي تعد من الصناعات النموذجية في عصر العبيد . تم العثور على هذه المسامير في مواقع كثيرة منها تبة كورا و تل العقير ، وفي بعض طبقات عصر العبيد بتل قالينج آغا تم العثورعلى مسامير طينية منثنية ، ولم يقدم تفسيرمقنع عن وظيفتها لحد الآن.
خلال موسم التنقيب لم يعثرعلى أختام ، ولكن يبدو أن هناك قطعة أعدت لذلك ، مشابهة للأجسام الموجودة في تل زيدان .
• بقايا النباتات وعظام الحيوانات :
تعتبر قرية جرمو من احسن المناطق الاثرية القديمة المعروفة التي حدثت فيها زراعة الحبوب وتدجين الحيوانات ...
ولمعرفة عملية زراعة النباتات ودراسة بقايا الحيوانات في تل نادر ، قامت د. ليفاردا التي كانت تعمل ضمن البعثة اليونانية ببناء آلة تعويم flotation machine (17) لأخذ عينات الأثرية والبيئية ، و هي أول آلة تستخدم للتنقيبات في إقليم كردستان.
ومن خلال تلك العينات تبين أن سكان تل نادر مارسوا مهنة الصيد والزراعة وتدجين الحيوانات المختلفة ، وربما وجود مياه الأنهار ساعد سكان تل نادرالعيش في هذة المنطقة ، وقد عثر على بقايا من البذور المتفحمة مثل القمح والشعير مع البازلاء وبذور بزرة القلب ، والأعشاب ، كما عثرعلى بقايا عظام الحيوانات بعضها لطيور منقرضة .. والتي تم التعرف عليها هي الأبقار، الأغنام والماعز، الخنازير، الكلاب، الحصان، الحمار، الفئران والقوارض والصقور.
وأكثر الأنواع وفرة هي عظام الأغنام/الماعز 47٪ يتبعها الخنزير 39٪ الماشية11٪ الكلاب 3٪ ، ومن خلال الدراسة وتحليل أسنان الأغنام والماعز تبين أن معدل سنة الوفيات لهذة المواشي كانت صغيرة دون الشهر السادس من العمر، وربما هذة النسبة لها علاقة بطقوس دينية .
• المــدافن في تــل نـــادر:
عثر في الموسم الأول على مدفنين ..
الأول (18) :... عثرعلى جرة دفن (تابوت من الطين المشوي) تعود الى العصرالآشوري الوسيط / الحديث ، فيها عظام ساقين للأنسان، مع عشرة أسنان باقية ، تعود لذكر يقدر عمره 25-42 سنة في وقت وفاته ، الساقين كانتا مقيدتين قبل وضع الجسم في الجرة، كان الرأس باتجاه كتف الجرة نحو الغرب ، والجسد ممدد على الظهر .
الثاني (19) :... تم العثور على هيكل عظمي داخل فرن طين دائري ، الذي يبدو أنه استخدم كقبر مرتجل ، تم وضع الجمجمة قليلا̎ على جانبها الأيسر، ووجهها للأسفل باتجاه الغرب، ومع ماتبقى من الهيكل العظمي ، يبدو أنه قد تم دفنها في وضعية الانبطاح ، أما طريقة دفنها .. فتم ثني ساقيها، ووضع يديها تحت ثديها وبطنها، مع الأصابع ممتدة ، كان البناء صغيرًا جدًا بالنسبة للجسم، مما جعل الساق اليمنى تخرج من القبر .
تم العثور على عدة قطع من اللبن الطيني بالقرب من رأسها ، مما يعني أن التربة قد جرفت بلا مبالاة على جسمها، لم يتم العثور على أي عروض جنائزية داخل القبر، باستثناء ثلاثة أسنان كلاب بالقرب من رأس الأنثى (كلها من حيوانات مختلفة)، لايوجد ثقوب أواثار تشير الى ان هذه الأسنان جزء من قلادة ارتدتها خلال الحياة.
كتبت د.شيري فوكس(20):... " يبدو الدفن غيرمألوف للغاية بعدة طرق، بادئ ذي بدء، لأن الأنثى في وضعية الانبطاح ورأسها يواجه الأرض ، ولم يحدث الدفن في مقبرة بل في فرن مهجور ، ولاتوجد عروض جنائزية ، في هذا السياق، فإن تفسيرأسنان الكلاب الثلاثة ، التي وجدت بالقرب من رأسها، هو أمر محير إلى حد ما ، ومن غيرالواضح إذاكانت المرأة المتوفاة قد استخدمت هذه الاسنان خلال حياتها كزينة أوحتى كأشياء سحرية ، الانطباع الذي نحصل عليه هو أن هذه المرأة كانت منبوذة اجتماعيا ، مَنْ دفنها، لم يهتم بها وربما خافها حتى بعد الموت " ..!
بإذن من مديرية الآثار في أربيل تم نقل الهيكل العظمي إلى أثينا لمزيد من الفحص ، كما تم إرسال عينة من المادة العظمية إلى جامعة أريزونا لأجراء تحليلC14 ، ثبت انها تعود الى فتاة ، يقدر عمرها 25- 39 سنة .
كانت الجمجمة (21) ، مهشمة في معظم أجزائها ، تتكون من جزئين ، الجزء العلوي مكسور في معظم أجزاءة ، ولا يوجد الفك العلوي لها ، أما الفك السفلي يحتوي على ستة أسنان باقية ، وأجري عليها ترميم بسيط من قبل البعثة اليونانية ، ثبت أنها تعود الى عصر العبيد .
كتبت د.شيري " بعد ترميم الجمجمة ، لوحظ وجود كسر ملتئم مداوى، ناجم عن صدمة حادة ، وليس وارد أن كانت تعاني من بعض التأثيرات مثل الصداع ، أو فقدان الذاكرة كنتيجة لذلك ، ولاتوجد وسيلة لمعرفة ذلك ، ولكن اذا كانت هذة الحالة بالفعل ،عندئذ يمكن ان تفسر الطريقة غير العادية للدفن ."
استطالة الرأس ...
تعرضت هذه الفتاة لعملية استطالة الرأس ، وهوالتعديل المتعمد من شكل راس الإنسان في مرحله الرضاعة ضمن اطار زمني معين، بين الولادة والسنه الثانية ، من خلال وضع روابط للرأس(22)، بأنواع مختلفة ، كان يتم استخدامها في العصور القديمة ، و مايزال يمارس في بعض الاماكن ، معتقدين أن هذه العملية تزيد من ذكاء الإنسان ، فضلا عن كون ذلك ربما كان يعتبر وسيلة جمالية للمرأة والرجل . على حد سواء.
ذكرتني هذه العملية مع ما كان يفعله الصينيون مع اقدام الفتيات الصينيات الصغيرات ، بوضع هذه الأقدام في (أحذية خشبية) حتى لا يكبر حجم القدم .
هناك حتى الآن أربعة عشر موقعا (23) يعود تاريخها إلى عصر العبيد في الوقت الحاضر تركيا وإيران والعراق ( أريدو، تل عربجية ، تلول الثلاثات ، تل مدهور)
عثرعلى بقايا بشرية يظهرعليها عملية استطالة الرأس ، وقدة ذكر د. كوبانياس " يجب الآن إضافة موقع تل نادر إلى هذة القائمة المتزايدة (24)... ".
وهناك اقتراح بأن الجماجم الطويلة يمكن أن تكون سمة موروثة وراثيا في بعض الحالات ، في حين أن أغلبية الأمثلة المعروفة تظهر كأنها مضاهاة لهذا. فقد تم اقتراح أن بعض الأمثلة عن الجماجم المطولة التي تم العثور عليها في جميع أنحاء العالم ليست ناتجة عن تشوه خلقي (عيوب خلقية) .
لذا نأمل في العثور على المزيد من البقايا البشرية في تل نادر ، مما قد يساعد على فهم هذه الممارسة بشكل أفضل.
و في سياق هذا الموضوع كتب الاستاذ طه باقرفي كتاب مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة " بعض البقايا العظمية التي وجدت في الطبقة الثانية من تل حسونة ، حيث وجد هيكلان عظميان لطفلين توأمين وضعا في جرة من الفخار ، وقد قدرعمرهما في حدود الستة أشهر ووجدت معهما طاسة صغيرة من الفخار والجمجمتان من النوع المسمى الرأس الطويل ". وهذا الموضوع بحاجة الى دراسة مفصلة .....
ومما لاحظت .... ان فتاة تل نادر ليست في وضع العقوبة أنما طريقة رميها تبين كأنها منبوذة ، لأنهم قديما كانوا يعتبرون مثل هؤلاء الاشخاص أن الآلهة ليست راضية عنهم ربما لهذا نبذوهم ، وقديما كانو يتعاملون ايضا مع الولادات الشاذة شكلا ، بطريقة عدوانية ،وأذ تم ضربها من الخلف سيكون من البديهي السقوط باتجاه الامام .
وأهم الاستنتاجات .. هناك بعض المواقع تمثل نقطة تحول من العصر الحجري الوسيط الى العصر الحجري الحديث منها طبقة B كهف شانيدر ، موقع زاوي جمي ، كرده جال .. فيمكن اعتبار موقع تل نادر نقطة تحول من العصرالحجري الحديث الى العصر الحجري المعدني .
كتب د. كوبانياس " في نهاية التنقيبات أصبح تل نادر نقطة مرجعية هامة لعلم الآثار في شمال شرق بلاد ما بين النهرين ، كما سيوفر فهمًا أفضل للاكتشافات المهمة في موقع قالينج آغا.. (25)"
فنأمل من الباحثين المتخصصين دراسة هذة الاكتشافات الهامة ومقارنتها مع المواقع الذي ذكرها د.كوبانياس منها تل قالينج آغا وتبة كورا ومواقع اخرى عاصرت الموقع.
• اثار تل نادر في متحف أربيل الحضاري .. (26)
قرر د. كوبانياس بناء متحف في موقع تل نادر لعرض القطع المكتشفة ، ولكن بسبب الازمة الاقتصادية توقف المشروع .. وحاليا تعرض القطع في المتحف الحضاري في أربيل.
ذهبت لرؤية آثار تل نادر ... المعروضة في متحف أربيل الحضاري ، وتنقلت في المتحف كثيرا ، عاينت فيه مختلف القطع الأثرية ، التي تعود كل منها الى زمن مختلف ، وقد وقفت طويلاً أمام النسخة الجبسية التي تمثل رأس انسان نياندرتال للجمجمة الأصلية المكتشفة في كهف شنايدر ، ومجموعة من المقاشط اليدوية والالات الحجرية المكتشفة في كهف هزارميرد، ومجموعة من السكاكين والمجارش الحجرية تعود الى العصر الحجري الحديث ،
، ثم وقفت لمشاهدة الآثار المكتشفة في تل نادر،انتابني احساس غريب وانا ارى اثار عمرها اكثر من 7000 سنة ، وكنت افكر بسعادة البعثة اليونانية بهذة الاكتشافات ، وقد كان بين المعروضات الجرار والاواني الفخارية والادوات الحجرية المكتشفة ، التي يغلب عليها اللون البني ، ولاحظت وجود خمس ثقوب في اعلى احدى هذة الجرار ربما كانت من أجل تعليق الجرة ، ولفتت انتباهي جرة أخرى جميلة جدا ذات فوهتين غير متساويتين من عصر العبيد .
ومن الدمى المكتشفة دمية كلب صغير ذات اللون الأسود ، ودمية الطائر المكسور .
أما جمجمة فتاة تل نادر ، التي شدّت انتباهي لظروف دفنها وتميزها ، فقد كانت رغم ترميمها من قبل البعثة ، الا ان اثر كسر الجمجمة يبدو ظاهراً على الرأس بشكل واضح ، وسوف يلاحظ الزائر الشكل المتطاول للجمجمة ، واختفاء الفك العلوي مع بقاء العديد من اسنان الفك السفلي ، مما جعلني اتخيل الفتاة في سن اكبر بكثير مما ذكر ، وكنت افكر في قصة هذة الفتاة .. هل كانت من اهالي تل نادر ، وان لم تكن ..كيف وصلت الى هنا .. ؟ وماهي الظروف الغريبة التي احاطت بدفنها .
كما شاهدت نماذج معروضة من المسامير المنثنية المكتشفة ، والعديد من الأدوات المايكروليثية المختلفة ( أدوات حجرية دقيقة الصنع وصغيرة ( والتي لم اعرف السر في صناعتها ، وقطعة تشبه أساور الأطفال مصنوعة من الطين المشوي وكنت افكر هل يعقل ان تكون هذة القطعة حقا اسورة !
انهيت جولتي في المتحف ، وانا اسأل نفسي هل هجر السكان التل نهائيا للعيش في مكان افضل ، في مدينة أربيل مثلا ..؟ ، ام اندلعت حرب طاحنة اوتفشى مرض خطير .. فتبعثر السكان وتشتتوا في أماكن أخرى ..؟
أجابت محتويات المتحف عن كثير من الأسئلة التي راودتني ، ولكنها أثارت ايضاً في نفسي المترعة بالفضول كثيرا من التساؤلات والحيرة والدهشة..
لا يزال البحث والتنقيب جارٍ ، ولا نزال ننتظر ما ستسفر عنه جهود الباحثين في مجاهل التاريخ الغابر ..
جيهان شيركو ..أربيل
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
بالغ الشكر والتقدير للأستاذ نادر بابكر محمد ، مدير آثار أربيل ، لما ابداه من تعاون وسعة صدر ، ولتوضيحه لكثير من الإشكالات التي واجهتنا ، والشكر موصول للآثاري الأستاذ قدري علي عبدالله .
المصادر والمراجع :
-Kopanias, K, C Beuger, T Carter, S Fox, A Hadjikoumis, G Kourtessi-Philippakis, A Livarda, and J MacGinnis. 2013. The Tell Nader and Tell Baqrta Project in the Kurdistan Region of Iraq: Preliminary Report of the 2011 Season. SUBARTU 6-7: 23–57.
- Ubaid ‘islands’ in a non - Ubaid ‘sea’: an attempt to define the Ubaid and its cultural boundaries in northeastern Mesopotamia. Kopanias.k, Bordered Places Bounded Times BIAA , 2013 , Ankara.(pp. 27-36)
- Preliminary Results from the Excavation at Tell Nader in the Kurdistan Region of Iraq a paper presented by K. Kopanias, C. Beuger, SHERRY. C. Fox, A. at the8th International Congress on the Archaeology of the Ancient Near East May 1st 2012, Warsaw.
- Ubaid Head- shaping: Negotiations of Identity through Physical Appearance, .. ... Lorentz, K. O , p125 in the
Byond the Ubaid : Transformation and integration in the late prehistoric societies of the Middle East, Edited by Robert A. Carter and Graham Philip.
- Archaeological Projects in the Kurdistan Region in Iraq – Harvard Dash , by K Kopanias, John MacGinnis.
- The 8th International Congress on the Archaeology of the Ancient Near East p51 , p184.
Preliminary Results from the Excavation at Tell Nader 2012.-
- Preliminary Report of the 2013 Excavation season of the university of Athens in Tell Nader and Tell Baqrta.
- An Ubaid Kiln at Tell Nader (Kurdistan Region in Iraq) K.Kopanias p70, Études Mésopotamiennes –Mesopotamian Studies N°1 – 2018.
- Gareth Brereton, The social life of human remains: burial rites and the accumulation of capital during the transition from Neolithic to urban societies in the Near East.
- Peter M. M. G. Akkermans, René Cappers, Chiara Cavallo, Olivier Nieuwenhuyse , Bonnie Nilhamn and Iris N. Otte.
Investigating the Early Pottery Neolithic of Northern Syria: New Evidence from Tell Sabi Abyad.
- Mitchell S. Rothman, Tepe Gawra The Evolution of a Small, Prehistoric Center in Northern Iraq.
-Kopanias, K, and S Fox. 2016. Headshaping at Tell Nader.
- طه باقر ، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة .
- د.نائل حنون ، المدافن والمعابد في حضارة بلاد الرافدين القديمة .
- عمرحسين شريف , مواقع عصور ما قبل التاريخ فى اربيل- تطبيقاً على قرية زاوي جمي- تل قالينج أغا- تل نادر- دراسة أثرية مقارنة ، رسالة ماجستير
- سعدي الرويشدي ، مجلة سومر29 نظرة في عملية تدجين النبات والحيوان
- د. وسناء حسون الاغا ، الطين في حضارة بلاد الرافدًٓين .
- د. فاضل عبدالواحد علي ، من سومر الى التوراة .
- د. محمود فارس الوردي ، المدافن في العراق القديم .
- د. حسين يوسف حازم ، علاقات منطقة الموصل التجارية مع مناطق الشرق الأدنى القديمة في العصور الحجرية .
- د. احمد لفتة ، مفردات مادة تاريخ العراق القديم .
- اسماعيل حجارة ، مجلة سومر26 ، دمى من تل قالينج آغا في اربيل .
- زبيربلال اسماعيل ، أهم المواقع والمعالم الأثرية في أربيل ، مجلة الحكم الذاتي ، العدد56 .
- رغـد جمــال محمـدغريب الجبــوري ، عصـور ماقبــل التاريـخ فـي بـلاد الرافدين .
- رشا حسام الدين إبراهيم مصطفى ، العصر الحجرى الوسيط فى مصر والشرق الأدنى القديم (مصر والعراق وبلاد الشام والأناضول) - دراسة مقارنة
- د.حسين يوسف حازم النجم ، دور منطقة كركوك الحضاري خلال فترة عصور ما قبل التاريخ في العراق
- زبير بلال اسماعيل ، أربيل في أدوارها التأريخية .
- اسماعيل حسين حجارة ، دمى من تل قالينج آغا ، مجلة سومر، المجلد 26 .
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات