أربيل 20°C السبت 23 تشرين الثاني 11:35

حراس البوابة، رواية تستعرض الحاضر وتغوص في الماضي

في ملحمة جلجامش هنالك نص مفقود في الوسط. نص محاه الزمن
کوردستان TV
100%

في ملحمة جلجامش هنالك نص مفقود في الوسط. نص محاه الزمن، أو ربما محاه أحدهم بيده. غزوات عديدة تعرضت لها أور وبابل، فقدتا خالل تلك األيام الكثير من كنوزهما، واندثرت ثقافة تلك المدن وغابت تحت الرمال الصفراء.

نينوى لم تسلم هي األخرى من حوافر الخيول السوداء. تلك كانت ملحمة.

بهذه السطور يفتتح الروائي والصحفي العراقي منذر المدفعي رواية ( حراس البوابة) الصادرة حديثاً عن دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع بالقاهرة في 264 صفحة من القطع المتوسط. وهي الرواية الثانية له بعد صدور روايته الاولى تحت عنوان (ايام قبل السقوط) عام 2009 .

يبدأ الكاتب احداث الرواية بسرد ذاتي على لسان الشخصية الرئيسية (سالم ) الحاصل على شهادة الماجستير بعلم الاثار، ومشكلته مع الكابوس الذي لطالما راوده اثناء المنام والتأثير السلبي الذي يتركه على نفسه المتعبة اصلاً بعد تصاعد التوتر الطائفي بين ابناء الحي الذي يقطنه هو ووالده، حيث تدفع الظروف والد سالم الشخصية الثانوية في الرواية الى التفكير ببيع المنزل والانتقال الى سكن اخر حالهم حال مئات العوائل العراقية التي فظلت، النزوح عن اماكن سكناها التي عاشوا وتألفوا معها اجيال بعد اجيال نتيجة المشاكل المذهبية والطائفية التي اجتاحت البلد بعد رياح التغيير عام 2003 .

ينتقل الكاتب بعدها بعدها الى شتاء عام 1846 وتحديداً الى العاصمة البريطانية لندن، حيث يعرض بصورة موجزة وجميلة مقتطفات من حياة عالم الاثار البريطاني هنري أوستن لايارد مكتشف الثور المجنح ورحلته نحو هذا الاكشتاف المذهل. اذ يتوجه لا يارد الى ولاية الموصل التابعة للدولة العثمانية بدعوة من القنصل البريطاني العام في القسطنطينية عاصمة الامبراطورية العثمانية انذاك للبحث والتنقيب عن الاثار العراقية بعد وصول برقية عاجلة تؤكد ان القنصل الفرنسي في الموصل المسيو بول اميل بوتا عثر على أربع قطع اثرية ضخمة في مدينة نينوى التاريخية. ليبدأ بعدها لايارد رحلة التنقيب والبحث بمساعدة هرمز الرسام وهو عالم اشوريات اشوري من مدينة الموصل عمل مع لايارد في التنقيب عن الاثار.

وهنا نرى كيف استطاع الكاتب ان يتناول حقبة تاريخية مهمة من تاريخ العراق، بقالب روائي بحت، تخص اكتشاف وتهريب الاثار العراقية وتحديداً اثار مدينة الموصل على يد البعثتات الاجنبية، البريطانية والفرنسية والالمانية وتحت مباركة السلطات العثمانية وامام انظار العامة الذين كانوا يعيشون انذاك في جهل مطبق.

ولا تخلو الرواية من لحظات عاطفية يعيشها سالم مع وسن اخت هادي الذي سيقوم لا حقاً بمهاجمة دار أبي سالم بصحبة عدد من الاشخاص لغوا عقولهم واسلموا قيادها للطائفية والمذهبية.  

ولعل ابداع الكاتب يتجلى من خلال عملية الدمج  بين عالمين مختلفين كلياً عن طريق الحلم، المفتاح الذي يفتح امام الانسان عوالم ربما يعجز بالتفكير عنها في الواقع، حيث سيجد سالم نفسه  يعيش في عصر غير عصر وعالم غير عالمه، سيجد نفسه الى جانب شخصيات واحداث قديمة مثل شخصية لايارد وهرمز والقنصل الفرنسي وجنود الوالي العثماني وشيوخ العشائر وعمليات الحفر والتنقيب ولحظة اكتشاف الثور المجنح ومحاولات تدمير الثور المجنح من قبل بعض الاهالي الذي يعتبرونه صنم من اصنام المشركين.

سيجد سالم نفسه اول الامر تائهاً بين اروقه هذا العالم يتمنى مع نفسه العودة الى عالمه، الى ابيه الى عمله، الى حبيبته وسن، ورغم الاحزان والمأسي التي يعيشها في عالمه يجده اهون بكثير من عالم لا يعرف كيف ومتى وجد نفسه فيه هكذا فجأة (لا ادري من أين ولماذا أتيت الى هنا ).... ولكنه سيعتاد على ذلك العالم وينخرط فيه من خلال عمله في التنقيب مع لايارد وهرمز حتى يصل الى اللحظة التي تمنى لو كان معه الة تصوير يستطيع من خلالها ان يوثق لحظات اكتشاف الثور المجنح وعملية نقله لتهريبه الى خارج البلاد.

ان رواية (حراس البوابة) تعد بحق عمل ادبي متكامل، حيث استطاع الكاتب ان يتناول موضوع كنوز العراق الاثرية المنهوبة على يد البعثات الاجنبية قديماً والمدمرة على ايدي داعش حديثاً بقالب روائي مشوق قل نظيرة في الاعمال الروائية العراقية والعربية. 

راميار فارس...kurdistan t v  

كوردستان TV

الأدب

التعليقات (0)

لا يوجد إلى الآن أي تعليقات

اكتب تعلیقاً

هل ترغب بتلقی الإشعارات ؟
احصل على آخر الأخبار والمستجدات