كوردستان تي في - أربيل
على مدار سنوات، عانى العراق بشكل متدرج من انخفاض مستويات المياه العذبة على أراضيه، ما أدى إلى تراكم سلسلة من المشكلات تحولت مع الوقت إلى كوارث بيئية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية.
منظمات أممية ودولية حذرت في تقارير متعددة من أن العراق أمام خطر وجودي إذا لم يتم التوصل لحلول بشأن إمداداته من المياه العذبة، وأن أثر الجفاف ضرب منتجاته الزراعية وأدى إلى تكثيف حركة النزوح من الأرياف إلى المدن، التي تعاني أصلا من ضعف بناها التحتية بسبب العقود الطويلة من الحروب والحصار.
بلاد الرافدين وبلاد ما بين النهرين، من الأسماء القديمة للعراق الدالة على وفرة مياهه وخصوبة أراضيه، بات اليوم على رأس قائمة أكثر الدول تأثرا بالتغير المناخي، وفقا للأمم المتحدة، وارتفاع المساحات المتصحرة.
وقد لا يكون التغير المناخي الخطر الوحيد الذي يهدد العراق، لكنه تحول تدريجيا ليشكل خطرا وجوديا للبلاد، مع انحسار المساحات الخضراء وانخفاض الإنتاج الزراعي (كان يشكل 5% من مجمل الناتج الاقتصادي المحلي ومصدر الدخل الرئيسي لنحو 14 مليونا من سكان البلاد البالغ عددهم 42 مليون نسمة) ونزوح الآلاف داخليا وتحول الكثيرين للتفكير بالهجرة بعيدا.
على مدى السنوات الماضية، بدأ منسوب المياه في نهري دجلة والفرات بالانخفاض تدريجيا، بشكل رئيسي بسبب بناء السدود وتحويل مياه النهرين وروافدهما في إيران وتركيا. إضافة لذلك، عانى خزانا مياه العراق التاريخيان من عقود طويلة من الحروب وسوء الإدارة وتدمير البنى التحتية، ما أدى أيضا إلى فقدانهما للمياه بشكل عشوائي وحرمان الملايين منها.
ووفقا للأمم المتحدة، يعاني تقريبا واحد من كل خمسة أشخاص في العراق من نقص المياه، ما أثر على السياسة المائية للسلطات التي آثرت الحد من تدفقاتها على المناطق الزراعية.
وكانت المنظمة الدولية للهجرة قد أعلنت في وقت سابق أن أكثر من 12 ألف أسرة نزحت من مناطق في وسط وجنوب العراق في آذار/مارس الماضي بسبب الجفاف.
وأوردت المنظمة الأممية أن ذي قار وميسان كانتا من ضمن المناطق الأكثر تضررا، مستشهدة بأعداد النازحين الضخمة من المنطقتين باتجاه المدن الكبيرة في البلاد.
نزيف الريف راكم ضغطا كبيرا على المناطق الحضرية، التي كانت تعاني أصلا من تدهور بناها التحتية نتيجة عقود من الحروب والحصار. هذا الأمر كانت قد حذرت منه الأمم المتحدة الشهر الماضي، معتبرة أن الاضطرابات المناخية ستؤدي إلى "اضطرابات اجتماعية"، إذ يمكن للتوسع المدني الذي "تتسبب به التغيرات المناخية وحركة النزوح في ظل غياب الخدمات العامة والفرص الاقتصادية، أن يعزز ممارسات التهميش والإقصاء".
وفي تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية قال محافظ الديوانية ميثم الشهد إن المهاجرين الريفيين يواجهون البطالة في المدن حيث "لا توجد فرص عمل كافية" لجميع الوافدين الجدد.
وشدد على أن "الخدمات العامة لا يمكن أن تلبي احتياجات سكان المدن المتزايدة".
وفي الوقت نفسه، ونتيجة النزوح المستمر، باتت المناطق الريفية مهجورة، "بما في ذلك قرية البوزياد، حيث جفت قناة الري الرئيسية تماما".
بدوره قال رئيس بلدية بوزياد ماجد رهام، أن حوالي 100 أسرة غادرت خلال العامين الماضيين، واليوم لا تزال هناك 170 أسرة فقط مدرجة في السجل البلدي.
ويعتمد أولئك الذين بقوا على إمدادات المياه غير الكافية، التي تصل بواسطة صهاريج تعمل سلطات المحافظة على إرسالها.
وتحدث محافظ الديوانية عن 120 قرية باتت تعتمد بشكل شبه شامل على شحنات المياه المنقولة بالصهاريج، في حين كان عدد تلك القرى 75 خلال الصيف الماضي.
وانخفضت مستويات المياه في كل من دجلة والفرات بعد بناء تركيا لعدد من السدود على منابع وروافد النهرين، ما أثر على تدفقاتهما ليس على العراق وحده، بل على سوريا أيضا.
وكانت تركيا قد بدأت مطلع نيسان بضخ المزيد من المياه في نهر دجلة لمدة شهر بناء على طلب الحكومة العراقية.
وزارة الموارد المائية العراقية قالت في حينه إن أنقرة ستضخ 1500 متر مكعب في الثانية، وهذا ضعف الكمية التي كانت تضخها مسبقا.
وزير المياه والموارد عون ذياب عبد الله كان قد صرح أن الجفاف الذي شهدته البلاد العام الماضي كان الأسوأ منذ عام 1930، مشيدا بخطوة الحكومة التركية، ومحذرا من "التحديات" التي ستواجهها بلاده في الصيف المقبل فيما يتعلق بتأمين الكميات الكافية من المياه.
وبحسب اليونيسيف، تحتوي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على 11 دولة، من بينها العراق، من أصل 17 هي الأكثر تأثرا بأزمة شح المياه على مستوى العالم.
وكان البنك الدولي قد ذكر بأنه إذا لم يتخذ العراق إجراءات جدية لمواجهة ذلك الخطر بحلول 2050، و "في حال ارتفاع درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة وانخفاض الأمطار بنسبة 10%، سيفقد هذا البلد البالغ عدد سكانه 42 مليون نسمة 20% من مياهه العذبة".
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات