كوردستان تي في
ما تزال قضية مقتل البلوغر طيبة العلي، خنقاً على يد والدها، الأربعاء الماضي، تثير تفاعلاً وغضباً في الشارع العراقي، لتعيد ملفات "السلطة العشائرية" و"السلطة الذكورية" إلى النقاش في الأوساط النخبوية والعامة، وسط مطالبات بقوانين تحمي النساء.
في الوقت الذي انتشر هاشتاغ #حق_طيبة_علي على نطاق واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي الأوساط العراقية، دعت منظمة حقوق المرأة في العراق إلى تنظيم وقفة أمام محكمة الكرخ في بغداد صباح الأحد القادم، للمطالبة بإنزال أشد العقوبات على "الأب المجرم"، كما طالبت جميع الناشطين بحقوق الإنسان والإعلاميين والصحافيين، وكذلك كل إنسان يمتلك ذرة من الإنسانية للمشاركة في الاحتجاج، وفق البيان.
المنظمة نوهت في سياق بيانها إلى سلطة العشائر التي باتت تتجاوز سلطة الدولة، وأشار البيان إلى أنه "في العراق العشائر لا تهاب الدولة ولا القانون لأن القانون أصلاً يحمي العشيرة ويسلط الرجال على رقاب النساء حيث لا يمر يوم من دون أن نسمع بنساء قتلن هنا أو هناك".
تشكل العشيرة في العراق عقداً اجتماعياً ذا وظيفتين، اقتصادية ونفسية. والعشيرة هي في أساسها الأول بنية تقوم على رابطة الدم والنسَب، لتعيد هذه الوظيفة إنتاج نفسها بشكل أحكام وأعراف وتقاليد وسلوكيات سرعان ما أصبحت "قوانين" قائمة على التجانس العصبوي ضد العناصر الخارجية من العشائر الأخرى. ومع ظهور الدولة انتقل الضبط الاجتماعي من العشيرة إلى الدولة، لكن النشاط الاقتصادي أصبح عابراً للعشائر والقبائل.
وكان للانتداب البريطاني للعراق في بدايات القرن المنصرم دوراً في تنظيم وتشكيل هذه السلطة وتأطيرها، ةلدى دخول البريطانيين إلى مدينة البصرة وضعوا فيها نظاماً للعشائر في عام 1916، وحين وصلوا بغداد أسسوا نظاماً عاماً أُطلق عليه اسم نظام "دعاوى العشائر" في عام 1918، وكان هذا النظام يمنح شيخ العشيرة السلطة في القضايا التي تحصل في الريف العراقي.
ويشكل الشيخ مع مجموعة من وجهاء العشيرة "لجنة" فإذا حصلت جريمة أو اعتداء أو قتل، فاللجنة هي مَن تقرر "الدية" أو "الفصل" أو "القتل"، وبذلك ومع الزمن برزت مراكز قوى متنفذة بخلاف القانون، هيمنت على بقية السلطات لتصبح الركن الوثيق الذي يلجأ إليه الفرد حفاظاً على نفسه وكيانه من غياب القانون.
وسبق أن فسّر الدكتور فارس كمال نظمي، الباحث في مجال علم النفس، أسباب عودة العرف العشائري للهيمنة في العراق، على أنها "انتكاسة لفكرة التطور الإنساني"، معتبراً أن "المفارقة هي حدوث كل ذلك في ظل الدستور العراقي لعام 2005". ويشير إلى أن الدولة "تمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان"، إذ إن "الوقائع اليومية تشير إلى عجز عميق في وظيفة الدولة حيال تغول الطابع العشائري، خصوصاً في قضايا المرأة، إذ نشهد انتهاكاً شديداً لحقوقها في العمل والزواج والدراسة".
في الوقت ذاته تؤكد البحوث الاجتماعية ومنظمات حقوق المرأة أن المجتمع العربي بشكل عام ومن ضمنه العراقي يعاني من "السلطة الذكورية"، مشيرين إلى الأعراف التي جعلت الرجل يمثل "السلطة الأعلى التي لا يجب رفض أوامرها أو حتى أن يناقشها بل يجب أن يُطاع مهما كان، صحيحاً كان أو خاطئاً، لا سيما في عقاب المرأة (الابنة أو الزوجة وحتى الأخت) أو تقرير مصيرها والتحكم بمستقبلها واختياراتها الشخصية والدراسية، وذلك تحت بافطة تجنيب العائلة أية انحرافات محتملة".
بالعودة إلى قضية طيبة التي لقيت حتفها خنقا على يد والدها، بعد عودتها إلى البلاد، قادمة من تركيا لحضور بطولة خليجي 25، حيث أقدم الأب على خنق ابنته حتى الموت.
وكانت الضحية هربت قبل فترة إلى تركيا بسبب مشاكل مع عائلتها، واتضح أنها كانت مقبلة على الزواج من شاب سوري يدعى محمد الشامي، إلا أن أهلها رفضوا الأمر على الرغم من موافقتهم عليه البداية.
ثمّ استقرّت في إسطنبول، إلا أنها عادت للعراق استجابة لطلب من والدتها.
ومنذ وصولها، تلقّت تهديدات كثيرة بالقتل أعلنت عنها عبر حسابها في إنستغرام، مناشدة السلطات الأمنية لحمايتها دون جدوى، وقبيل الجريمة، انتشر هاشتاغ "احموا_طيبة" إلى حد كبير عبر تويتر وفيسبوك وإنستغرام.
يذكر أن اسم "طيبة العلي" وصورها، أصبحت حديث مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي الذين أبدوا حزناً وغضباً جراء ما تعرضت له الشابة، وسط مطالبات بمحاسبة الجناة وتشريع قوانين تحمي النساء والفتيات من العنف الأسري.
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات