رفعت حاجي
ما تسرب من النقاشات والحوارات التي تجري بين قادة التحالفات الانتخابية يبدو أن نتائج الانتخابات اعادت العملية السياسية الى المربع الاول، وتراجعت الأطراف في مفاوضاتها عن الوعود بالاصلاح والتغيير الجذريين وتكوين الكتلة “العابرة للطائفية .
كما بات واضحاً أن الأطراف السياسية العراقية، تخلت عن جميع شعارات الإصلاح وإلغاء المحاصصة، التي سبق أن رفعتها قبل الانتخابات التشريعية العامة التي جرت في مايو الماضي ، وعادت إلى التخندق الطائفي والقومي ، بعد الانتخابات، وتجدد الخلافات والصراعات على تشكيل الحكومة الجديدة.
ويبدو جلياً أن أغلب القوائم المرشحة للانتخابات في العراق أقامت حملاتها الدعائية على شعارات الإصلاح والوطنية والتخلص من المحاصصة الطائفية والقومية في توزيع المواقع والمناصب الوزارية والإدارية، والاعتماد على الكفاءات بدلا عن ذلك، لعلمها بامتعاض الشارع العراقي من الأسس التي قامت عليها العملية السياسية.
وترتقي المحاصصة في العراق إلى مرتبة المبدأ المثبت بالدستور الذي أشرفت الولايات المتحدة على كتابته وحرصت من خلاله على جعل البلد دولة مكونات لا تجمع بينها سوى المصالح، الأمر الذي فسرته الأحزاب الحاكمة عمليا من خلال قيامها بتقاسم ثروات العراق باعتبارها غنائم.
وكذلك حرصت تلك الأحزاب على ترسيخ ذلك النظام من خلال إقحام البعد الطائفي في كل شأن من شؤون الدولة والمجتمع، بحيث تكون المرجعية الطائفية هي الأساس الذي تنطلق منه التفاهمات، ما يعني بالضرورة تغييب المرجعية الوطنية واستبعاد كل من ينادي بها من العملية السياسية.
وهكذا حلت دولة المكونات محل الشعب الواحد وحلت الطائفة والعرق محل الوطن الواحد. فكان ذلك التحول ستارا يحجب عمليات الفساد المحكمة التي مورست ولا تزال تُمارس في ظل ضياع الصوت الوطني وغياب المشروع الجامع.
ولأن الفساد ارتبط بنظام المحاصصة فقد ارتبطت الدعوة لمحاربته بالدعوة إلى عودة الدولة الوطنية وهما دعوتان لاقتا إقبالا من قبل الطبقات المحرومة مما أسفر عن تغيير لافت في المعادلات السياسية. غير أن ذلك التغيير لم يكن كفيلا بقلب طاولة نظام المحاصصة التي صُنعت بطريقة محكمة وبرعاية أميركية- إيرانية لا تزال قائمة.
لذلك لن يتمكن طرف سياسي بمفرده من تحقيق اختراق جذري لما أجمعت عليه الأحزاب المدعومة أميركيا وإيرانيا واتخذته وسيلة لاستمرار في جلب ثروة العراق متذرعة بشرعية تمثيلها للمكونات التي تم توزيعها حصصا بين الأحزاب داخل الطائفة أو العرق الواحد. فالشيعة ليسوا مكونا موحدا وكذلك السنة والأكراد.
وبذلك أكّدت عضو البرلمان العراقي السابق القيادية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، نجيبة نجيب، في حديث للعربي الجديد أنّ "الشرط الأوّل للكورد في التفاوض مع الفرقاء السياسيين، هو أن تكون جميع التفاهمات وفقاً للدستور".
وكشفت نجيب إلى أنّ المرحلة الأخرى من الحوار "يجب أن تكون بشأن المناصب وحقوق الأحزاب الكوردية في الحكومة العراقية المقبلة والتي يجب أن توزّع بشكل عادل"، مبينةً أنّ القوى "الشيعية" الفائزة في الانتخابات "أدركت أنها لا يمكن أن تشكّل الحكومة منفردة، ما دفعها للجوء إلى الكورد".
وأضافت أنّ "كل طرف سواء كان في بغداد أو أربيل، عرف حجمه الحقيقي في الانتخابات"، مؤكدةً أنّه "لا يمكن لأحد أن ينكر حق الشيعة في رئاسة الوزراء، إلا أنّ ذلك لا يمكن أن يتم من دون الأحزاب الكوردية والقوى السياسية الأخرى".
وكشفت طبيعة الحوارات التي جرت بين الكتل السياسية عقب إعلان نتائج الانتخابات أن شعارات تجاوز الطائفية والمحاصصة كانت معدّة للاستهلاك الانتخابي فحسب.
كماأظهرت نتائج الانتخابات فوز قائمة “سائرون” التي يرعاها “مقتدى الصدر” بالمركز الأول محققة 54 مقعدا من أصل مقاعد البرلمان البالغة 329، تليها قائمة “الفتح” المدعومة من إيران بزعامة “هادي العامري” التي حققت 47 مقعدا، ثم “النصر” بزعامة رئيس الوزراء “حيدر العبادي” وحازت 42 مقعدا.
وترتبط عودة الساسة العراقيين إلى التخندق الطائفي باقتراب موعد الشروع في إجراءات تشكيل الحكومة الجديدة.
اتفقت عدد من الكتل السياسية السنية في العراق على اختيار فريق تفاوضي موحد حول تشكيل الحكومة واستحقاقات المرحلة المقبلة.
وانتخبت الكتل رئيس تحالف المحور الوطني خميس الخنجر، ليكون مفوضا عن اثنين وخمسين نائبا سنيا خلال مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
ومن أبرز زعماء الكتل السياسية التي شاركت في الاتفاق زعيم تحالف القرار أسامة النجيفي ورئيس البرلمان العراقي السابق سليم الجبوري.
ورغم توقّعات عديدة ذهبت إلى استبعاد إمكانية اجتماع الفائزين الثلاثة على أي طاولة مفاوضات، إلاّ أن اللقاءات بينهم لم تتأخر، وسرعان ما أعلن عن تفاهم بين الصدر والعامري، ثم الصدر والعبادي.
وبحكم الواقع، فإن القوى الشيعية الثلاث الكبرى قررت أن تأتلف معا، لتضمن سيطرتها على الكتلة النيابية الأكبر في البرلمان الجديد التي سيكون لها حق ترشيح رئيس الوزراء القادم.
ولم يقف الصدر عند هذا الحد، بل أدخل في تفاهماته طرفا شيعيا رابعا هو “عمّار الحكيم” زعيم تيار الحكمة، لتكون كتلته جامعة لأربع من أصل خمس قوى شيعية كبيرة فازت في الانتخابات.
قال الصدر في تدوينة له على موقع التواصل "تويتر "حبا بالعراق اوصيكم ونفسي بتطبيق النصائح التالية، وهي على الكتل السياسية قطع الحوار بشأن تشكيل التحالفات وما بعدها مع اميركا ودول الجوار فهذا شأننا نحن العراقيون فقط لا غير".
وأضاف، "وانصح جميع الكتل السياسية للابتعاد عن التخندقات والتحالفات الطائفية والعرقية المقيتة، وانا بدوري ارفض اي تخندق سني او شيعي او كردي او غير ذلك"، لافتا بالقول "انا على اتم الاستعداد للتعاون لاجل خلق تحالف عابر للمحاصصة الحزبية والطائفية والقومية".
ولم يبق خارج دائرة التفاهم الشيعي سوى ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق “نوري المالكي” الذي يرجّح أنّ خلافاته الشخصية الحادّة مع الصدر وليست الخلافات السياسية بينهما، هي ما يمنع التحاقه بالتجمّع الرباعي الشيعي.
وحذر نائب الرئيس العراقي وزعيم ائتلاف الوطنية، إياد علاوي، من فقدان العملية السياسية ما تبقى من مصداقيتها، في حال مخالفة القانون، ما يوجب إعادة الانتخابات برمتها، على الرغم من محاولات بعض الجهات والدول التغطية على جريمة التزوير، والمضي بتشكيل البرلمان ، وحكومةغير نزيهة، أساسهما الغش"، حسب ما ورد في بيانه.
وأضاف: "أن الانتخابات الأخيرة، كانت مهزلة كبرى وجريمة بحق الشعب العراقي الكريم، لا يمكن السكوت عنها".
ولم يتأخر أكراد العراق كثيرا إذ سرعان ما عمد الحزبان الرئيسيان في إقليم كردستان، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، إلى تنحية خلافاتهما الداخلية، وتشكيل وفد يمثلهما معا في بغداد، فيما التحقت أطراف سياسية كردية أخرى، سريعا، بهذا التفاهم.
لكن القوى السنية تردّدت بضعة أيام، وخاضت بشكل منفرد حوارات منفصلة مع الأطراف الشيعية والكردية قبل أن تقرر العودة إلى النهج المتعارف في السياسة العراقية، وهو التكتلات الطائفية والقومية.
وذهب جل زعماء القوائم السنية الفائزة إلى إسطنبول التركية، وأجروا سلسلة مباحثات ولقاءات أسفرت عن تشكيل تكتل خاص تحت مسمى “المحور الوطني” لخوض مفاوضات موحدة مع الشيعة والأكراد بشأن حصة المكون السني في الحكومة القادمة.
وعمليا، عادت إلى الساحة السياسية العراقية في 2018 ثلاثة تجمعات كبيرة، الأول للشيعة، والثاني للسنة، والثالث للكورد، وهي الصيغة المعتمدة في البلاد منذ إجراء أول انتخابات في عام 2005.
وباستثناء الكورد الذين يجاهرون بضرورة توحيد مواقف قواهم السياسية حول مطالب محددة، قبل التوجّه إلى بغداد، يواصل الزعماء الشيعة والسنّة الغارقون في مفاوضات سرية تهدف إلى “توحيد المكون” نفي إمكانية انخراطهم في أي “مشروع طائفي”، وهو تناقض يثير سخرية المراقبين.
إن ما يتسرب من النقاشات والحوارات التي تجري بين قادة التحالفات الانتخابية ان نتائج الانتخابات اعادت العملية السياسية الى المربع الاول وليس هناك قدرة لديها للخروج من الازمة وتراجعت في مفاوضاتها عن الوعود بالاصلاح والتغيير الجذريين وتكوين الكتلة “العابرة للطائفية ” التي تنبذ المحاصصة وتتجه نحو بناء دولة مدنية ديمقراطية تخلف ورائها التدهور المريع الذي اصاب المجتمع والدولة ووضع البلاد على حافة التقسيم ، فالانتخابات فشلت في افراز كتلة حاسمة ومقررة بينها وبين الكتل الفرق الكافي في المقاعد النيابية الذي يؤهلها لذلك ، كما ان القوى المدنية الحقيقة هي الاخرى لم تحقق الطموحات المنشودة لتكون رقما يحسب حسابه ..
لم يعد الحديث سرا عن اعادة التحالف الوطني الشيعي ، بل اصبح امرا ملموسا سواء كان بقوائمه الخمسة او الاربعة لا يغيير من الامر شيئا ان اجتمعت كلها او تخلفت احداها او اثنتين منها لانه الاعتراضات شخصية وليس على البرامج ولا تناحرية ويمكن ان تذوب في ظرف معين .
الكتلة العابرة للطائفية حقيقة اصبحت في خبر كان ، فالائتلافات هي غير موحدة الرؤيا بشانها وتتمحور في نظرتين رئيسيتين كلاهما لايخرجان البلاد من ازمتها ، رغم انهما يحوزان الاغلبية العددية ، ولا يحققان الوحدة المجتمعية والوطنية ويبقيانها هشة ومعرضة لمخاطر التفتت .
من الواضح انه لا عبور للطائفية مع من يعمل على تشكيل كتل او ائتلافات منسجمة مذهبيا ” شيعية ” ومن ثم تتفق مع كتل مقابلة لها “سنية ” ، هذا هو ما يتم بناؤه والتحاور بشانه عند الحديث عن تكوين الكتلة الاكبر التي تضم “سائرون – النصر – الحكمة – الفتح – دولة القانون ” او من دون الائتلافين الاخيرين ، وممكن ان تكون الاولى خارج الكتلة الاكبر تعتمد على التنازلات الاضافية التي ستقدمها .
من انعكاسات هذه الحوارات دفعت القوى السنية الى الاتجاه ذاته تحت ضغط الشريك المحتمل والقوى الطائفية في داخلها والخشية من هضم اكبر لتطلعات جمهورها ،فقد بدأت بحوارات قطعت شوطا لتشكيل الكتلة الاكبر للمكون السني ، بعد ان تيقنت ان كتلة شيعية ستظهر على المسرح السياسي مثلما حدث سابقا بعد اعلان النتائج والمصادقة عليها..
هذا المسعى الجاري لتكوين الكتلة الاكبر بالطريقة والالية الراهنة والخضوع للضغوط الاقليمية والدولية وتوافقاتها وغياب الارادة السياسية هو الذي دفع بعودة المحاصصة وبقوة وعلى اساس اغلبية مكونات وليست اغلبية وطنية .على الارجح يتم جمع فريق واحد من كل طائفة وقومية ليكون حاكما والاخر ياخذ مقاعد المعارضة وهذا جمع ميكانيكي ليس الا ، لا يختلف اطلاقا عما كان عليه الامر في النتيجة عن السنوات السابقة ..والاحتمال الاخر اشرا ك الجميع لطبخ ذات الطبخة الفاسدة .وفي كلا الحالين يتم تقاسم المكاسب والمناصب على هذا الاساس والخاسر الاكبر بذلك موضوعة الاصلاح ومحاربة الفساد ومزيد من التدهور للخدمات .
ليس هناك ميزان قوى وارجحية لتشكيل ائتلافات عابرة للطائفية بالتصورات التي تحملها بعض الكتل الفائزة للانتخابات وهي ما تزال بعيدة عن النهج السليم الذي يتمثل ببناء احزاب وتيارات غير طائفية لا يقتصر الانتساب اليها على مذهب معين او اثنية بذاتها تنظيمات منفتحة وتبنى على اساس المواطنة ،اي ان بنيتها الداخلية غير طائفية.
لا يمكن للمتخندقين في كتلة طائفية ان ينزعو جلودهم لانه دمجت المصلحة العامة بالخاصة والفرز بينهما ليس هينا وبالتالي هناك حاجة الى تفعيل حركة جماهيرية ترغم الحكومة المقبلة على تشريع وتنفيذ مشاريع تراعي مصلحة الشعب وتحد من الطائفية باي صورة ستكون .
رفعت حاجي .. Kurdistan tv
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات