الحلقة الثالثة والأخيرة :
كما سجلت صفحات التاريخ العالمي والإسلامي مراحلها الكبرى , القديمة والحديثة , التي طغت على بقية مراحلها وأستأثرت بالذكر على الألسن وفي الدراسة في العقول , مثل فتوحات الأسكندر المقدوني في الشرق ومعاركه المشهورة فيه التي غيرت وجه العالم القديم , ومثل الهجرة النبوية الشريفة التي غيرت وجه التاريخ البشري والإنسانية , أو فتح الأندلس بيد المسلمين الذي كان السبب في خلق ثنائية الشرق ـ الغرب , أو فتح القسطنطينية الذي قاد لتكوين الإمبراطورية العثمانية , أو عند كتابة مكيافللي لأميره 1513 وما أحدثه من نقلة فكرية جسيمة في ميدان السياسة , أو حروب نابليون بونابرت التي قادت إلى صناعة الدول الأستعمارية وقادت إلى الحربين العالميتين , أو عند صدور ( في أصل الأنواع عن طريق الأنتقاء الطبيعي ) لداروين في 1859 , أو أحداث 11 من سبتمبر التي صنعت الإرهاب العالمي , مثل كل هذه الأحداث الكبيرة في التاريخ , الكرد في العراق صنعوا حدثهم الواقعي والتاريخي الكبير في 25 أيلول 2017 بنجاح عملية أستفتاء الأستقلال عن العراق وتقرير مصيرهم .
طبيعي أن تكون لهذه العملية ردود أفعال مختلفة , رفضا وقبولا , من قبل القوميات الأخرى داخل وخارج العراق ومن قبل ساسة العراق والعرب والعالم , وما يهمنا هنا هو آراء المثقفين حول ما بعد نجاح هذه العملية ورسالاتهم للشعبين الكوردي والعربي في العراق وفي غير العراق .
وجهنا هذين السؤالين بشكل فردي :
ما هي رؤيتك لمستقبل العلاقات الكوردية ـ العربية في العراق بعد أن نجحت عملية أستفتاء الأستقلال ؟
وكيف ينبغي أن تكون رسائل المثقف الكوردي والعربي في مثل هذه الظروف الحرجة ؟ لمجموعة من الكتاب والمثقفين والشعراء عربا وكوردا لنستفيد من آرائهم ورؤيتهم لهذه المرحلة , فهم غذاء للمجتمع الذي يعيشون فيه ويعيش بهم الوعي المجتمعي , فكان لكل واحد منهم جوابه الخاص على السؤالين ننقله كما هو دون أية تغييرات :
* الأستاذ الدكتور عبدالله فاضل ميراني أجابنا بـ : إن كل من يتناول العلاقات العربية ـ الكوردية يجب عليه أن يفصل بين علاقات العرب بالكورد كمكونين متعايشين معا وبين علاقات العرب بالكورد كنخب وانظمة واحزاب سياسية . فالمكونين علاقاتهم تاريخية يسودها السلام والتفاهم الى حد ان بعض المدن هي خليط من المكونين إضافة الى مكونات أخرى . اما العلاقة على مستوى الانظمة والاحزاب السياسية , فلا شك ان القاعدة في العلاقات العربية الكوردية منذ نشأة الدولة العراقية هي التوتر والتصعيد , أما الاستثناء فهو الود والتفاهم , ولا يخفى ايضا ان فترة الود والتفاهم كانت لمدد قصيرة تكاد تنحصر في بداية كل تحول سياسي جذري في نظام الحكم في العراق , ففي بداية العهد الجمهوري وبداية النظام الديمقراطي بعد العام 2003 كان التفاهم هو سمة العلاقات العربية الكوردية , ولكن سرعان ما ساد التوتر والتصادم في العلاقات بعد رسوخ النظام السياسي الجديد في العراق , وهذا دليل على ان نظام الحكم ’العربي’ في بغداد يلجأ الى التفاهم مع الكورد في حالة الضعف ثم يذهب الى التصعيد في حالة شعوره بالقوة , كما يثبت هذا حسن نية الجانب الكوردي واستعداده دائما الى مد يد العون الى بغداد حتى في حالات ضعفها .
ويضيف الدكتور ميراني قائلا : ويبدو ان العلاقات الكوردية ـ العربية أصابها المزيد من التوتر والتصعيد بعد إجراء عملية الاستفتاء في اقليم كوردستان , وللأسف التوتر في هذه المرة لم يقتصر على مستوى الانظمة والاحزاب السياسية وإنما تعدى الى مستوى المكونات الشعبية , وساعد في حدة التوتر هذه المرة الشحن الطائفي والمذهبي الذي تم ترسيخه في العراق الجديد , إضافة الى دور وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي في بث الكراهية بين المكونات . ولأجل خفض التصعيد المتبادل وعودة التفاهم في العلاقات العربية ـ الكوردية لا بد من إعادة النظر في النظام السياسي في العراق برمته , وصياغة معادلة سياسية جديدة من خلال حوار جدي وبناء يضمن نشأة الدولة العراقية , وفي هذه المعادلة السياسية يجب ان يكون الثابت الذي لا يتغير هو حرمة دماء الشعوب وكرامة عيشها , وليس التمسك بشعارات حالمة لم تجلب سوى الخراب والدمار . وفي هذه المرحلة الحاسمة والحساسة في العلاقات العربية ـ الكوردية يجب ان يعلو صوت العقل والحكمة لا التعصب والتطرف , ويجب ان يكون الحوار المشترك الاسلوب الوحيد المعتمد في معالجة الازمات لا الاقتتال والاحتراب , فعبر الحوار دائما توجد مشتركات يمكن البناء عليها , وتتوفر دائما حلول وسطى تضمن حق الجميع .
* الكاتب والشاعر ايفان زيباري حول السؤال الأول أجابنا بـ : هنالك جانبان الأول انساني فالشعب الكوردي حظى بالاحترام والتقدير من جميع المكونات العراقية والثاني الجانب السياسي , هنا الاكراد كانوا من طلائع اقوام المنطقة الذين نادوا بالحرية والكرامة , وبالتالي كان ينظر الآخرون إليهم على أسس عرقية وقومية تخالف نهجهم ومسارهم . فقضية الأخوة الكردية العربية هي حبر على ورق .ربما يكون الكورد والعرب جيرانا جيدين لذا يجب على العرب استيعاب المرحلة الحالية من القضية الكوردية , فالكورد بطبيعتهم شعب ثائر متمرد يهوى الحرية ويكره القيود والسلاسل وان وصل اصحاب القرار العربي الى هذه الحقيقة وحتمية هذه المعادلة , فستكون للعلاقات بينهما مستقبل مشرق زاخر بالصداقة والمحبة والتسامح .
وأضاف الكاتب ايفان : لطالما كان المثقف الكوردي جنديا ومناضلا يقاتل بقلمه وفكره أعداء الأمة الكوردية ولم يتخل عن مبادئه الثورية , ووقوفه كان مع القيادة الكوردستانية وجعل نفسه سدا منيعا لأي اختراق ثقافي فكري فلسفي شوفيني قد يؤدي الى توجيه النقد لأبناء كوردستان شعبا وقيادة . فعلى المثقف الكوردي والعربي توعية الجماهير وتنشيط معاقل الإدراك في العقل وتحريك العواطف والمشاعر بخصوص المسألة الكوردستانية التي وصلت الى أفق المجد بعد نجاح الأستفتاء . فلكل شعب وأمة الحق في التحرر من التبعية , لذلك يجب أن يكون المثقف العربي المعاصر الحضاري الذي يدرك قيمة الحرية وحقوق الشعوب المقهورة الوقوف مع المثقف الكوردي من اجل نيل استقلال كوردستان وكل هذا لن يحدث بقوة الحديد والنار بل يجب اتباع سلوك ومسار انساني بالحرف وبالكلمة وبالقلم من أجل التعرف بضرورة الخروج من قوقعة الوحدة , فليس هنالك وحدة بين الاعراق والقوميات بل هنالك روابط وعلاقات متبادلة للعيش بسلام , فالانفصال والاستقلال لا يندرجان في خانة الخيانة بحق دولة وحكومة فشلت في تنظيم العلاقة بصيغ العدالة بين الشعب بل يؤدي الى إعادة هيكلة شخصة المواطن والفرد من جديد للعيش تحت مظلة دولته المستقلة وحكومته العادلة .
* المحلل السياسي السوري المعارض وعضو في المنظمة الوطنية السورية لحقوق الإنسان فيصل الأعور أجابنا بـ : كما أرى فان الاستفتاء لم ينجح , لأن معيار نجاح أي استفتاء هو ما يفرزه من معطيات . وتبدو المعطيات التي افرزها الاستفتاء كالحة تميل الى الاسوداد . فكما أن الكورد يتشوقون لإقامة دولة كوردية مستقلة , فان العرب ما زالوا يشعرون بالخيبة بسبب اتفاق سايكس بيكو , فكيف بهم وهم يشاهدون أحد مكونات مجتمعهم يسعى الى المزيد من التقسيم والتجزئة , وخاصة العراقيين حاليا . لهذا أتوقع ان الاستفتاء سينعكس سلبا على العلاقة بين العرب والكورد , ما لم يتم تدارك الأمر من قبل قيادة كردستان في اسرع وقت ممكن لطمأنة العرب .
وأضاف الأستاذ فيصل بأنه : لا تكمن مشكلة استقلال كردستان في البعد الحقوقي , أي حق تقرير المصر , بقدر ما تكمن في مجموعة من المعطيات التاريخية , النفسية , والآيديولوجية , لهذا فإن تمسك الكورد بفكرة حق تقرير المصير لا تكفي للوصول الى قيام كردستان مستقلة , وقد اتضح ذلك من خلال المواقف الخطيرة للدول المجاورة لكردستان , من جهة , وموقف مجلس الأمن الرافض للاستفتاء وتقسيم العراق من جهة أخرى . لهذا أجد ان على المثقف , عربي وكردي , ان يتفهم الاوضاع النفسية والثقافية لكلا الشعبين , وان يوضح مشكلة الآيديولوجيا لدى الشعبين , والتركيز على أهمية بناء الدولة العلمانية الديمقراطية , والتي تكفل الحقوق والحريات , وتحد من الفساد , إذ تفصل السلطات , وتمنع الفساد , وتحفظ كرامة الاقليات والاثنيات والطوائف , إذ يتساوى جميع المواطنين أمام سيادة القانون العادل , والذي يسمح بالتعددية واحترام حق الاختلاف بين المكونات الاجتماعية داخل المجتمع .
* الأستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس ـ جامعة الموصل أجابنا مختصرا بـ : أنا مع وحدة العراق . ومع الاكراد في تحقيق طموحاتهم القومية ولكن الظروف الدولية والاقليمية هي نفسها كما كانت منذ مائة عام , ثم إن الكورد منتشرين في أكثر من دولة وهذا يخلق مشاكل في المنطقة لا تنتهي أبدا . كما أنني أرى ان ماضي الكورد وحاضرهم ومستقبلهم هو مع إخوانهم في العراق وإن كانت ثمة مشاكل فهي مثل مشاكل محافظة البصرة او مشاكل محافظة نينوى يمكن ان تحل بالحوار وضمن عراق واحد موحد قوي . ورسالة العربي الى الكوردي ورسالة الكوردي الى العربي هي رسالة الشاعر الكوردي الكبير المرحوم عبدالله كوران وفيها يقول :
آهٍ أخي العربي
كم من عباءةٍ
كم من لبادٍ
مزقنا
آن كنا نعمل بالسخرة للظالمين
أهٍ كم مسحنا العرق من جباهنا
ونحن مثقلون بالأحمال
أخي العربي
يا ذا العينين السوداوين
مُراً كان نصيبك
مُراً كان نصيبي
قد جرعنا المرارة من كأس واحدة
فأضحت أخوتنا عسلاً شهياً
# نشكر أساتذتنا الذين جاوبوا على أسألتنا ...
# إعداد :
آواره رمضان
محمود صالح شيرواني
التعليقات (0)
لا يوجد إلى الآن أي تعليقات