أربيل 18°C السبت 23 تشرين الثاني 10:52

وعود القلم المنسي

لو كان هذا القلم بحوزتي ، لكنت كتبت تاريخ البلد بشكل مغاير
کوردستان TV
100%

قصة بقلم الكاتبة: سوسن البياتي

قفي بجانب هذا العمود واذا أتت المعلمة أخبريها أنك مستمعة في الصف الاول ، فعمرك خمسة اعوام فقط انت احببت المجيء الى المدرسة في هذا العام..

" لاباس سيهتمون بك ، اوصيت المعلمة "

كوردستان

قال لي ابي هذا الكلام ، ثم قبلني وذهب .. . كل شي بدا غريبا، باحة كبيرة ، طالبات كثر يلعبن ، اصوات صاخبة ، وحده هدوئي كان يسافر غريبا معي في المكان .. يبدو ان المدرسة بدأت منذ اسابيع طويلة ، رن الجرس الكل دخل الصفوف ، الا انا ، مازلت واقفة برفقة العمود...

انتبهت لوجودي احدى المعلمات ، ربما تذكرت وصية ابي اخيرا ، اخذتني لصفي المرتقب لتكتمل به رحلة اكتشافاتي الغريبة . تاقلمت مع الوضع بسرعة ، اجتزت العام الدراسي بنجاح...

. مرت الاعوام انه مشرف اللغة العربية يوجه سؤالا ، استغربت للهدوء الذي عصف بغرفة الصف ، بقدر شدة استغرابي لسخف السؤال ، طلبت الاذن بالاجابة فكانت اجابتي صحيحة دقيقة ، أذهلت المعلمة التي كانت لم تكتشف مستواي بعد ، ربما بسبب هدوئي المفرط ، لكنها فرحت في نفس الوقت ، لخروجها من المأزق الذي كانت ستقع فيه ، صفقت لي جميع الطالبات ، ولاول مرة ، لفني ستار من الغبطة والسرور، كان بنكهة ارجوانية لذيذة مميزة..

لاول مرة تاخذنا المعلمة ذاتها الى مكتبة المدرسة ، اختارت الست اميرة احدى القصص العالمية القصيرة المترجمة وقامت بقرائتها ، شدت رحال خيالنا المتعطش للمعرفة والجموح والخرافة الى عوالم المغامرة والاكتشاف ، خلعت نعلي عند باب الخيال المقدس ، أنصتت معي جوارحي لكل حرف كان يخرج من الكتاب وهو يتوشح بهالة من نور، كنت معهم ارافقهم في القصة . قالت المعلمة " هل فهمتم القصة ؟ من يستطيع اعادة سردها باسلوبه؟ " قلت لها : " انا فهمت القصة واستطيع سردها " ثم قمت بسرد القصة باسلوب فصيح مريح ، وتطابقت المفردات تماما مع ما ورد في الكتاب ، لم اغفل عن المصطلحات والاوقات والحوارات والاحداث التي تكتتفها ، حتى القصيدة التي كانت تنتصف القصة ، اتيت عليها كاملة غير منقوصة ، الغريب اني كنت اقرا القصة وكأن الكتاب مفتوح امامي ، ربما هي بقايا احرف النور التي كنت اراها بينما كانت المعلمة تقرا… . الطالبات ينصتن فاغرات افواههن وكأن على رؤسهن الطير، عم الهدوء في الغرفة وتفاعلت امزجتهن مع الاحداث بشكل تام. سالتني المعلمة : " هل لديك هذه القصة في المنزل ؟ او يقرأها لك احد والديك باستمرار؟ " اجبتها بالنفي ، اعتقد ان المعلمة عادت وتذكرت قصة مشرف اللغة العربية في تلك اللحظة ، وانتبهت الى انها امام طالبة مميزة ، اقلها باللغة العربية ، وان عليها ان تعطيها علاماتها كاملة غير منقوصة ، بدلا من اعطائها للمعارف وللاصحاب.. ولذوي السلطة والالقاب . انه مرض التايفوئيد ، بسببه حرمت من الذهاب الى المدرسة مدة شهر او اكثر، (غثيان تقيؤ اضطرابات تنفسية حرارة هذيان) اتذكرها للان ، الا اني كنت انظر بنظرة خبيثة للكتب المكدسة امامي ، وبنظرة اخرى ماكرة لساعات استيقاظي الصباحية ، تخلصت من المدرسة وروتينها ولو بشكل مؤقت..

. تماثلت للشفاء ، حملت كتبي بما تحوي من معارف منسية وواجبات معطلة مركونة في كراج مزاجي السيء ، تفاجأت بان يوم غد هو موعد بدء الامتحانات الشهرية ، وانا لم افتح كتابا واحدا بعد ، المهم اخيرا اهتديت الى اني ساقرا الكتب بطريقة الفاحص ، سأقرأ المعلومة الجاحظة البارزة البراقة ، فقط التي تجذبني وتناديني وهي ترقص على السطور ، كانت هذه حيلتي الوحيدة لامناص...

المفاجئة ….انتهت الامتحانات بحصولي على اعلى. العلامات في الصف ، الامر الذي اثار انتباه الادارة والمعلملت ، قررت الادارة ان تمنحني هدية ، مكافأة لي على اجتهادي وتفوقي رغم المرض.. . اني اتحول بين ليلة مرض وضحى شفاء الى طالبة مثالية ، الكل يشير لي بالبنان ، اشعر بعيون الحاسدين وهي تثقب الاثير غيظا ، لكني فخورة بنفسي ، ارتدي ثوب الخيلاء والرفعة والزهو..

أرتني الست الآء قلما ذهبيا رائعا مازلت اتذكره ، يتوسط علبة فخمة ، قالت لي : : هذه ستٌقدم لك اليوم في الاحتفال اليوم هو الخميس، المديرة تمسك بالقلم المميز، ستنطق اسمي ، سيراني كل من في الساحة ، لايهم أشعة الشمس الحارقة التي اذابت مخي في محجره وطول فقرات الاحتفال التي يبست ساقي ، بدأت خطاي تسبقتي ، سأحظى بهذا القلم ، نطقت المديرة الاسم ، اه ، انا ذاهبة لالتقاطة : القلم هدية للطالبة ازهار عبد الخالق !! انها ابنة قائم مقائمقام البلدة !!! تلك التي ترقص وتدبك كل اسبوع في الباحة على انشودة هي يا اهل العمارة ، هاي اجمل بشارة ، أبان الحرب العراقية الايرانية ، انه سر هوس السلطة وسر تمجيد اصحابه ، هوس عبادة الاصنام والتبعية بدون تفكير ، حرمني من قلمي الذهبي ، ولطم بيد الحقيقة على خد الحلم ، لتتدحرج معه دمعة الفرح التي كانت ترقص في عيني ، وتجرح في طريقها وجه الطفولة المذبوحة..

أتت الست الاء ، تقدمت نحوي واعتذرت عن الخطأ الغير مقصود ، وعدتني انها ستقدم لي قلما اخر بدلا منه في احتفال الاسبوع القادم.. . مرت الايام ومازال الناس تبع وذيول لغيرهم من الاجناس ، ولو كان هذا القلم بحوزتي ، لكنت كتبت تاريخ البلد بشكل مغاير ...

منذ الحرب العراقية الايرانية وانا انتظر ذلك القلم ، احداث كثيرة وتقلبات جسيمة حدثت في البلد ، ولم تحضره الست الاء للان ، مرت السنون وطال الانتظار ، لم ارى غير الوعود الكاذبة والخيبة والالم ، رافقت وعود انتظار القلم ، لم تجلب ست الاء القلم للان ، ياترى متى ستجلب ست الاء القلم ؟

سوسن البياتي

الأدب

التعليقات (0)

لا يوجد إلى الآن أي تعليقات

اكتب تعلیقاً

هل ترغب بتلقی الإشعارات ؟
احصل على آخر الأخبار والمستجدات