أربيل 17°C الأربعاء 30 تشرين الأول 22:55

التقاربات الروسية الحذرة مع الجوار السوري 

سيبقى الأمر رهناً بمفاوضات روسية أميركية حول مستقبل الوجود الأميركي في سوريا،
رفعت حاجی
100%

رفعت حاجي

مع إطالة أمد الأزمة الأوكرانية وتشابكها، تتغيّر حسابات الفرقاء جميعها، سواء في مقاربتها تطورات الأزمة "الغربية" أو في تعاطيها مع الملف السوري تبعاً، كأحد الملفات الأساسية والخلافية في العلاقة الروسية الغربية.

روسيا التي اتّخذت قرارها بالانخراط في الأزمة السورية منذ بدايتها وفق قاعدة اغتنام الفرص، اعتبرتها فرصة لإعادة تموضعها في الساحة الدولية، وتأكيد دورها انطلاقًا من البوابة السورية، فضلًا عن تحقيق مكاسب جيوسياسية، لا يمكنها إغفال التداعيات التي جاءت نتيجةً حربها على أوكرانيا، وظهور الكثير من التحديات والتهديدات للعديد من الدول.

 لكن في الوقت نفسه، يرى المعسكر المؤيد لتوسيع العلاقات مع روسيا، أن موسكو بإمكانها كسب العملية السياسية في سوريا، كون الظروف السياسية تبدو مساعدة، فالدول الإقليمية والغربية الداعمة للمعارضة السورية إما أنها في صدد مراجعة مواقفها حيال العلاقات مع دمشق، وإما أن الملف السوري برمّته لم يعد أولوية لها، كما هو الحال لدى إدارة الأميركية الحالية، التي تحول وجودها في المنطقة دون نجاح أي مفاوضات محتملة بين جهة ما والنظام السوري، أملاً في موقف روسي داعم لبعض مطالبهم.

وبناءً على ذلك، سيبقى الأمر رهناً بمفاوضات روسية أميركية حول مستقبل الوجود الأميركي في سوريا، والمرتبطة بمجريات الأزمة الأوكرانية وخلفياتها.

فيما أن الوضع السوري المتعب إلى درجة اليأس، يأمل حدوث انفراج أياً كانت دوافعه ومخرجاته، عبر بوابات التفاهمات الإقليمية والدولية، أي ما معناه أن ثمة سيناريو يلوح بالساحة السورية لتكون إحدى السّاحات الدولية لتصفية الغرب حساباته المؤجلة مع روسيا، دون أن يكون عاملاً مساعداً على تحقيق الاستقرار والأمن في سوريا.

لاشك أن الدور الروسي في  سوريا، تباين منذ بدء الأزمة بحسب الأدوات والأهداف وطبيعة علاقات روسيا مع غيرها من القوى، رغم نجاحها النسبي في تحقيق أهداف مرحلية، فهي تمتلك رؤية إستراتيجية طموحة على صعيد الشرق الأوسط، لكنها تواجه إشكالية فقدانها مقوّمات القوة الناعمة، والأدوات المستقلة عن حلفائها لتحقيق رؤيتها، ما يعرّضها لمخاطر مع الغرب، وهي تدرك جيدًا أن ما حققته من نتائج مرحلية وإظهارها نفسها قوةً كبرى، تحول  سوريا إلى ساحة مواجهة مرشّحة لمزيد من المواجهات.

إذ شكّلت  سوريا أحد أبرز ساحات الفعل الروسي في الشرق الأوسط، حيث وجدت فيها ركيزة محورية لتحقيق جملة من الأهداف التي تتصل بالمكانة الدولية، والتجارة الدولية، والنفوذ الإقليمي، كذلك توظيف الأزمة السورية بوصفها ورقة تفاوضية في علاقتها مع الغرب والولايات المتحدة، بخصوص ملفات إشكالية، كالعقوبات الاقتصادية، وحربها على أوكرانيا.

تدرك موسكو ضرورة البدء بتسوية الأزمة السورية، وفق مقتضيات مصالحها وتوجهات محدّدة، فانصرفت سياسيًّا بالاتكاء على تركيا وإيران (من إطلاق مسار أستانا)، واتسمت علاقات روسيا مع ثنائي إيران وتركيا بالحذر،  نتيجة تخوف كل طرف من انفتاح الآخر على الولايات المتحدة، وما إن بدأت مؤشرات التباين الروسي-الإيراني تتبلور، حتى لجأت موسكو إلى التنسيق العملياتي مع واشنطن في الملف السوري، وتجنب الصدام العسكري معها، في حين فضلت إيران العمل بالاعتماد على ميليشياتها.

وشكل الانفتاح الروسي على مراكز قوى إقليمية تُعَدّ غير صديقة لإيران، تبايناً واستمرار لا مبالاتها تجاه الاستهداف الإسرائيلي المتكرر للوجود الإيراني في سوريا.

 وكان تخوف موسكو من تمدّد إيران في  سوريا وحاجتها إلى موازنتها من خلال تركيا، فضلًا عن استغلال الخلاف التركي مع الولايات المتحدة والدول الغربية، لجذب أنقرة بعيدًا عن المحور الغربي.

وشهدت العلاقات الروسية- التركية تبايناً نجم عن اختلاف رؤية كلّ منهما لعدد من القضايا أبرزها الموقف تجاه جناح البكك السوري (البيد)، فسرعانما أسهمت الأزمة الأوكرانية بإحداث صدع آخر في العلاقة بين الطرفين، وراهنت تركيا على موقف أمريكي وغربي داعم لها في أزمتها مع اليونان، لكنها مُنِيت بخيبة أمل كبيرة، وهو ما قوبل بترحيب روسي ناجم عن حاجتها إلى أنقرة لترجمة مكتسباتها الميدانية سياسيًّا.

من الواضح أن تركيا هي الأخرى استثمرت جيدًا المتغيرات الداخلية والخارجية، وتقاربها المتصاعد مع روسيا في تشكيل استراتيجية جديدة تخدم مصالحها وأهدافها الاستراتيجية في سوريا، وإفشال أية جهود لاستبعادها مستقبلًا من ترتيبات الحل السياسي، وعقدت قمة ثلاثية بعدها بمشاركة إيرانية الذي توّج تقارباً جديداً، واستطاعت من خلالها استغلال هذا التقارب في إطلاق عمليات عسكرية، بهدف تأمين حدودها من تحركات "قسد"، الذي يشكّل تنظيم الـ(بيد) عمودها الفقري، وبدت الموافقة الضمنية الروسية حينها واضحة على عملية عسكرية تركية محدودة الأهداف والسقف السياسي والعسكري، ليعكس الرغبة الروسية في تطوير مسار علاقاتها على مختلف الأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية، في ضوء توتر العلاقات التركية الغربية.

فيما تنظر إيران بتوجس إلى التفاهمات التركية الروسية، وتخشى أن يتحوّل دورها إلى مراقب في مجريات الأحداث، وتتزايد انتقاداتها للعلاقة بين روسيا وخصومها الإقليميين، وفي مقدمتهم إسرائيل التي وجهت عدة ضربات مباشرة لأذرعها وقواعدها داخل  سوريا "مع صمت روسي"، ولعل ما يفسّر الموقف الروسي تجاه هذه النقطة هي رغبتها في استمرار علاقتها مع إسرائيل لاعتبارات احتياطية، تتجسّد في استخدامها لها لضبط إيران داخل  سوريا.

فضلًا عن محاولة روسيا جذب القبول بمقاربتها ورؤيتها في المشهد السوري، شهدت إيران تعاونًا متزايدًا في مجال الأقمار الصناعية مع روسيا، لتعزيز قدراتها الاستخباراتية، هذا الأمر ما كان أن يتم قبل الحرب الروسية الأوكرانية، فمن ضمن المكاسب التي من الممكن أن تحققها إيران بتوسيع تعاونها مع روسيا المعزولة دولياً، هو تعزيز النفوذ الإقليمي لإيران في المنطقة، ونجاح طهران في تجاوز منطقة الشرق الأوسط لتوسيع عمقها الإستراتيجي في دول آسيوية أخرى.

إذ يقول لسان حال قُم إن "البعض يرى أن موسكو من الممكن أن تستغل طهران في أزمتها الحالية، من أجل تهديد الغرب بتشكيل حلف مُعادٍ له، لكن إيران إلى الآن تسير في مسار تعزيز نفوذها الإقليمي من خلال التعاون مع روسيا، بعيدًا عن إملاءات الغرب".

لا يمكن إنكار أن التعاون الروسي سيفيد طهران في العديد من الجوانب، وعلى رأسها امتلاك موسكو حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي، مما يؤهلها للتصويت ضد أي قرارات غربية ضد طهران، الأمر الذي يطمح إليه المسؤولون الإيرانيون.

من جهة أخرى رأى القادة الإيرانيون في العزلة الاقتصادية والدولية الجديدة المفروضة على روسيا، فرصةً ذهبية في تشكيل حلف ضد الولايات المتحدة، خاصة مع تعطُّل محاولات إحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، حتى يومنا هذا.

لم يتوقَّف التعاون بين البلدين على الاقتصاد فقط، بل سهّل من التعاون العسكري، وسلِّم إيران مئات الطائرات بدون طيار لروسيا - وفقًا لمستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان.

لذا ترى طهران في موسكو شريكًا قوياً لأيديولوجيتها المعادية للغرب، وهي أحد أهم الأسباب للتقارب بين البلدين، ويدرك المسؤولون الإيرانيون أن ما دفع روسيا للتقارب مع إيران مؤخرًا هو عزل الغرب لها دولياً، لا أكثر، والتي حصلت على بعض التسهيلات البسيطة فيما يخص تصدير نفطها، حتى وإن لم تكن علنية، عندما نافست صادرات النفط الإيرانية في أسواق النفط المُخفَّض.

لكن بخلاف مسألة التنافس في الأسواق النفطية، دفعت العزلة الاقتصادية المفروضة على كلٍّ من طهران وموسكو، بسبب حزمة العقوبات الغربية على البلدين، إلى توسيع التعاون الاقتصادي بينهما، وبدأت الأخيرة في اتخاذ خطوات إيجابية تجاه إيران للاستفادة من خبرتها في انتهاك العقوبات.

 

الهوامش: تعميق العلاقات بين روسيا وإيران – واشنطن انستيتو

ركائز روسيا الإستراتيجية الهشَّة في سوريا - أيمن الدسوقي

القيود أمام تفاهم ثلاثي - معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى

 

هل ترغب بتلقی الإشعارات ؟
احصل على آخر الأخبار والمستجدات