لن أقول انني لا ادري لم جرى تحميل حدث الاستفتاء الذي ترجم فيه الرئيس مسعود البارزاني رغبة أمته في التصريح بممارسة حق لم يحرمه شرع ولا قانون ولا عرف، بل أنا وغيري يدركون المواقف المتفاوتة التي صاحبت الحدث واستبقته وتلته، وهي أربعة: مؤيد ومتعاطف ورافض وحيادي، فيما هناك موقفان داخليان خارج الإقليم: موقف من فهم استفتاء كوردستان بشكل مغلوط، وموقف من تعمد ان يفهمه ويثقف نحوه بشكل مغلوط. لكننا ومع كل تلك المواقف ذهبنا وشاركنا بـ(نعم) في الاستفتاء.
ليس الآخرون بحاجة لنصيحة الذهاب لمعاجم اللغة العربية للبحث في كلمة (استفتاء) ووزنها الصرفي، بل - ومع ذكرى الاستفتاء التي مرت قبل أيام - التمعن بالحق من عدمه ودراسة الموضوع انسانيا قبل نقده سياسيا وإجرائياً.
نحن في كوردستان وفي الحزب الديمقراطي الكوردستاني حريصون قبلا والان ونحرص مستقبلا على أهمية الحوار وتأثير التمتع بعلاقات ثقة مع كل الأطراف التي هي جزء من صناعة الواقع الذي عاشته امتنا، والأطراف التي يمكن ان تكون مؤثرة في وصول شعبنا إلى حقه في قيام كيانه، لكن حزبنا وعلى امتداد عمره لم يكن الا حزبا حريصا على امن وسيادة الوطن العراقي، والوطن العراقي تعرض لخيانة من حكوماته السابقة عندما زجت به بعد شموليتها بحروب وتوترات جعلته هدفا دوليا للمقاطعة والحصار وعدم الثقة، ولذا فقد انبثقت احزاب وحركات قومية ودينية وعقدية تحمل تنوع شعوب العراق وفكره لتعارض الأنظمة السابقة. لكننا ومع كل حرصنا هذا لم نأخذ موافقة طرف لنكون ثوارا مناضلين، ولم نرضخ لمعادلة المصالح التي تمر على وجودنا غير عابئة.
اعود لذكرى الاستفتاء الذي تلته إجراءات لم تكن غريبة عن فكر التسلط السابق، وأبرزها الحصار الذي أراد صُنّاعه ضرب عصفورين بحجر: تصدير ازمتهم والظهور بمظهر القوي ولو على حساب قوت من هم رعايا الدولة التي لم تنجح بسبب عقلية حكامها على خلق ثقة عند مواطنيها انها ليست مستبدة، ومع ذلك (فقد صبرنا وطوينا عنها كشحا) كما يصف علي عليه السلام، واظهر شعبنا وحزبنا جلادة تحمّل على قسوة اعتدنا عليها من اخوة بعضهم كان معنا ويعيب على النظام السابق سلبه حقوقنا.
الاستفتاء لم يكن انفصالا، لأننا لم ننفصل، بل صوتنا على رغبتنا في الاستقلال، ولو اننا كنا نريد الانفصال لكان الحديث والعمل غير حديث وعمل الاستفتاء الذي جرى بنتيجة متوقعة متفوقة لصالح (نعم)، ومع هذا فلم نلحظ ان الطرف الداخلي - وهو المعني - راجع سياسته التي حدت وسرعت الأحداث للذهاب نحو اجراء الاستفتاء.
الرئيس البارزاني وبعد مشوار نضاله الطويل العالي الهمة تعامل بكل وضوح مع الجميع ولم يخفِ شيئا واشتغل كما هو دأبه علانية ليضع الفرصة أمام جموع شعبه وقواه السياسية لتثبيت موضع الكلام من العمل وقد علم شعبنا بالمواقف ساعة الجد.
ليس الاستفتاء جرما، ولم يكن للحكومة والمتخادمين معها ان يأخذوا دور القاضي فيدينوا شعبا وحزبا وحكومة وبرلمانا بكوردستان عن امر ليس مُجّرما.
نتفهم المواقف الإقليمية التي استفزتها جموع شعبنا التي شاركت بالاستفتاء لأنها تجس على جرح تقاسم أمة الكورد وارضها، مع اننا اول من تحدث وعمل على خصوصية كل جزء ونضاله وان يكون نضالا بلا شائبة تشين مثل العنف او الإرهاب او الاُجرة، مثلما يجب ان لا تمارس الأنظمة ذلك تحت ستار الشرعية.
ما يدعو للتفكر هو التفاوت في الفهم للحقوق، ومنه نفهم لم ازدادت إعداد المهجرين والمعدمين جراء سياسات بتخطيط منفصل عن الواقع، فأذا ما كان تعامل الساسة والتنفيذيين المفضي إلى واقع مؤلم مثل الذي عاشه اغلب العراقيين ويعيشونه، فكيف سيكونون مع ابناء أمة أخرى؟.
درسنا قبل الاستفتاء وخلاله وبعده المواقف، ولم تخب أحكامنا بحق الاخرين.
نحن فخورون بقيادتنا وباجرائها الاستفتاء وفخورون بنتيجته، ونحيي ذكراه.
كل رجائنا ان تتسع مديات فكر من يريد ان يقود البلاد، يقودها للآمان لا للهوان.