د. محمد صالح الموسوي
نحن في الشرق الأوسط أبعد الناس عن الواقع، أنظر لنا نحن العرب مثلاً، أعطونا نصف فلسطين قبل ستين عاماً وبضمانات دولية فرفضنا، نريد الكل! ثم أخذوا منا كلّ شيء.
فشلنا في بناء دول مستقرة ولغاية الآن نبحث عن السبب في السماء، ولدى الجيران وفي الفضاء الخارجي ولا نبحث في دارنا نفسها! إلى متى؟ إلى متى نتعامى عن الحقائق؟ إلى متى نبقى منهمكين بصناعة الأعداء؟
إنني أسأل سؤالاً بعيداً عن السياسة عن البارزاني والطالباني والمالكي وصدام ولكن قريباً من الضمير، وأرجو من كل ذي ضمير أن يتأمله جيداً قبل أن يجيب:
ليتصور أي عربي العكس: ليتصور أن العرب هم القومية الثانية في العراق وأن الكورد هم القومية الأولى وأن الكورد هم الذين دفنوا 180 ألف عربي مسالم من الحلة والسماوة والرمادي في يوم واحد، ليتصور العربي أن الكورد رشّوا أهله العرب المدنيين في الشرقاط بالغاز الكيمياوي، ماذا ستكون ردود الفعل لأي شخص عربي؟
لنترك الجواب لأصحاب الضمائر الحية وننتقل للواقع: انهارت الدولة العراقية ودخل وحوش العرب والمسلمين إلى العراق، آلاف من شيشانيين وسعوديين وفلسطينيين ويمنيين وسوريين وتونسيين وجزائريين ومغاربة ومصريين وأردنيين وليبيين وسودانيين وأفغان وعراقيين عرب من السنة والشيعة، كم كوردي فجر نفسه؟!
لقد كان العراق طيلة أربعين سنة في حرب داخلية ضد القومية الكوردية وكانت بغداد وغيرها تعج بمئات آلاف الكورد من مؤيدي البارزاني، فهل شهدنا تفجيرات في الصدرية والكرادة؟ هل شهدنا اغتيالات واختطافات وتقفيصات؟!
لقد شغلونا بقضية كوردستان فأنهكنا أنفسنا وتفككنا إلى الحد الذي وجدنا أنفسنا أمام مشكلة مختلقة لا أساس مادي لها سوى تخلفنا: سنة وشيعة فما الذي جنيناه من الإصرار على وطن واحد لم نكن نملك السبيل لبنائه؟ أليس مضحكاً أن الطريقة التي نتناول بها نحن العرب القضية الكوردية تتناقض مع الحجج التي نسوقها للدفاع عن حقوقنا القومية ذاتها؟
أليس غريباً أننا نرفض مثلاً سياسة الأمر الواقع، وتهويد القدس، وبناء المستعمرات وتغيير الواقع الديموغرافي للمناطق الفلسطينية المحتلة التي تجابهنا بها إسرائيل في حين نقدس الأمر الواقع الذي فرضه صدام ونتمسك بتعريب أماكن كوردية عديدة؟ اليس غريباً أن نطالب بحق تقرير المصير للفلسطينيين وبناء دولتهم المستقلة بإرادتهم الحرة في حين يدخل مجرد الحديث عن حق تقرير المصير للكوردي في باب المحرمات والكبائر؟
أنا أسال لمن وقف ضد الفدرالية وضد المادة 140، لماذا؟ وما البديل؟ وما الخطر الذي ستشكله المادة 140 إذا كانت القيادة الكوردية ترى أنه "بتنفيذ المادة 140 والالتزام بالدستور سنبقى ضمن جمهورية العراق الديموقراطية حيث يكون النفط ثروة للشعب العراقي كله".
أما كان على سياسيينا أن ينظّموا مؤتمرا شعبياً يوضح خلاله البارزاني موقفه ويؤخذ عليه كتعهد أمام الجميع؟ لماذا تحايل المالكي على ذلك؟ وما الذي تعهد به في أربيل؟ إذا كنا غير راغبين بعراق فيدرالي يدار بالمشاركة فهناك حلّان: إما ان نعود الى همجية حروب الابادة التي ستفنينا كلنا، أو أن نختار الحل الأكثر تمدناً وعقلانية وهو التسليم بوجود مشكلة كوردية قومية إقليمية نكون نحن المبادرين الى حلها فنكسب بذلك وإلى الأبد 40 مليون كوردي إلى جانبنا!
كوردستان سوف لن تهرب للمريخ.. هي باقية في مكانها وأهلها سوف لن يلجؤوا إلى إسرائيل التي لا يربطهم بها أي رابط جغرافي أو اقتصادي أو تأريخي، بل لنا نحن الذين وقفنا الى جانبهم وساعدناهم بتلمس الطريق لتحقيق وجودهم القومي، هؤلاء سوف يعملون على استقرار المنطقة وازدهارها بالاشتراك معنا لأن لا مصلحة لهم الا باستقرارها وإلا معنا! والتجربة التأريخية تقول إنهم في المستقبل سوف لن يتدخلوا ويرسلوا لنا المفخخات ولا الانتحاريين مثل اخواننا في القومية والدين الآخرين لأنهم لم يفعلوا ذلك في أي وقت آخر.. فكيف حين نكون نحن من أعانهم؟!
أعرف إنني أعزف على وتر غير مسموع، وسط ضجيج الزعيق القوماني وصيحات ها ها ها ها، لكني أعود وأقول إن قلبي يتمزق حين أرى أفعال داعش في الموصل، وأفعال جيش الاستهتار الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وخراب سوريا وحرائق الرمادي وتفكك العراق.. وأستغرب على هذه الخدمة التي نقدمها لنتانياهو … أعرف انني نشاز في الجوقة، لكن تأريخنا العربي علمنا أن نشاز اليوم هو النشيد الوطني في المستقبل… متأكد أن كلماتي هذه ستثير الحسرة في قلوب أحفادنا… مثلما بقينا نتحسر ونتحسر لأن أجدادنا رفضوا نصف فلسطين وتركونا عراة على قارعة الطريق، نخرج من أيلول أسودٍ لندخل نيسان أشدّ سواداً ونخرج من هذا لندخل في ثالث.. إلى متى يا عقلاء الأمة؟!