أربيل 9°C السبت 23 تشرين الثاني 05:30

هل حقاً تسعى أمريكا لإحلال الإستقرار في المنطقة؟

أمريكا لا تريد أن تضع حلا سريعاً للأزمة، بل تساهم في تفاقم الوضع
رفعت حاجی
100%

لاشك أن الغموض يلف مصير الكورد في القسم السوري من كوردستان، لاسيما في الفترة الراهنة، إذ يعول الكثيرين منهم على مسلسل الحوار الكوردي الكوردي، الأمريكي المنشأ، فالوجود العسكري في المنطقة بات يزعزع وضعهم، ويتعرض مناطقهم للتهديد في ضوء المستجدات الأخيرة على الساحة الإقليمية، الأمر الذي يتعين على الولايات المتحدة معالجة هذه التهديدات وضمان سلامة حلفائها الذين دعموها ضمن تحالف دولي للقضاء على داعش، حيث كانت تحتاج لحليف في المنطقة لتمرير سياساتها، واكتساب مصداقية العمل في التقارب بين طرفي (الحليف).

فهل حقاً أن أمريكا تضع عملية الاستقرار السياسي أمن منطقة الشرق الأوسط من ضمن أولوياتها الإستراتيجية بما يضمن مصلحتها الدائمة، أم أنها تتعمد في خلق الأزمات السياسية والأمنية التي تضرب المنطقة بين فترة وأخرى؟

لم يبدو مستغرباً للمترقب أي انسحاب أمريكي من سوريا، على غرار افغانستان، معتبرا أن "تقاطع المصالح الأمريكية والقوات على الأرض لم يعد قائما، وبالتالي أن تحالفهما انتهى ، وفق رغبة واشنطن، التي تغير مواقفها تبعا لمصالحها.

فبدا جلياً منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011 بأن أمريكا لا تريد أن تضع حلا سريعاً للأزمة، بل تساهم في تفاقم الوضع السوري عن طريق دعمها المطلق لبعض الفصائل، والحركات المتطرفة، بشكل متعمد، وذلك لإرباك الوضع السياسي والاقتصادي والأمني في سوريا والمنطقة بشكل عام، حتى اصبحت الأزمة السورية خطر يهدد أمن المنطقة بالكامل.

فالقوة الأمريكية منذ أن بدأت تستوطن المنطقة تدريجياً، استفردت في فرض إرادتها السياسية بقبضتها العسكرية على المنطقة، وتعمدت إتباع سياسة (خلق الأعداء) بشكل أو بآخر، حتى وإن كان صديقاً أو حليفاً سابقاً، فالولايات المتحدة ترى ديمومتها السياسية في المنطقة من خلال هذه السياسة، والتي أخذت أشكال وحجج مختلفة، فتارة بحجة الحرب على الإرهاب، وتارة أخرى بحجة التصدي للتهديد الذي تمثله الأنظمة المارقة والديكتاتورية في المنطقة، وأخرى لحماية الديموقراطية وحقوق الإنسان، وأفلحت في تسويق هذه العبارات إلى الرأي العام العالمي بنجاح.

ففي عام 2003 عقب سقوط دكتاتور بغداد، كان بإمكان الولايات المتحدة أن تحافظ على بنية الدولة العراقية ومؤسساتها الأمنية، وخلق نظام سياسي جديد دون المرور بمرحلة الفوضى السياسية والاقتتال، وجعل العراق أحد أهم أركان النظام الإقليمي في المنطقة، والعامل الأساسي والداعم الرئيسي لعملية الاستقرار في المنطقة، إلا أن الإرادة الأمريكية كان لها مشروعها، في جعل العراق بيئة مناسبة لانطلاق التطرف ومرتعاً لشتات الإرهاب في العالم، ومنطلقاً لاختلال كبير في سياسة التوازنات الإقليمية.

كما مثلت الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي ضربة قوية للجهود الدولية الباحثة عن استقرار منطقة الشرق الأوسط، والذي كشف النوايا الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، القائمة على تأجيج مناطق الصراع بين فترة وأخرى، والاعتماد على سياسة خلق الأزمات الداخلية والخارجية وترجيحها لسياسة الصراع والمواجهة.

كذلك تخلت أمريكا عن "حليفها" الكوردي، وتركته وجهاً لوجه أمام القوة العسكرية التركية الغاشمة، علما أن الأتراك أعلنوا شن عملية عسكرية في المدن الكوردية في سوريا، لتتخلى واشنطن بذلك عن حليف مهم لها في المنطقة، ثم تعود لتكون الضامن من أجل ترتيب البيت القومي الكوردي.

فالخطوة الأمريكية، ينظر لها أيضا كـ"رسالة من واشنطن للأوروبيين" ومنها ملف الإرهابيين المعتقلين في سجون وكلتها إلى قوات سوريا الديمقراطية" إذ لا تزال تتردد الدول الأوروبية في استقبال مواطنيها من المعتقلين الإرهابيين رغم الدعوات الأمريكية المتكررة.

في هذا الإطار، لا بد أن يستدرك المسؤولون الأمريكيون أنهم فقدوا الكثير من نفوذهم في سوريا، بسبب التوسع العسكري وأضعف الاستراتيجية الدولية لدعم مكافحة الإرهاب وزاد من تعقيد مهمة إيجاد حل سياسي شامل للأزمة السورية، في وقت تواصل حليفتها الأخرى (تركيا) استهداف الكورد عبر احتلال مدنهم وتوطين المتطرفين والمرتزقة في منازلهم وبساتينهم.

وحيث أن هذه التطورات كلها تهدد عناصر القوات الأمريكية والدبلوماسيين الأمريكيين والمبادرات الاستراتيجية الرامية إلى تحقيق الاستقرار والتطوير، يتعين على الولايات المتحدة اتخاذ عدة خطوات للتصدي للعدوان المتزايد الذي يتعرّض له حلفاؤها الكورد، وضمان أمن المصالح الأمريكية في المنطقة.

والتي تبدأ بالضغط على القوات التركية للانسحاب من المناطق الكوردية لأجلٍ غير مسمّى، ومنع إعادة توطين العرب في الأراضي الكوردية.

فضلاً عن ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تدعو إلى انعقاد مؤتمر في واشنطن لمناقشة آلية ضمان مستقبل شركائها في سوريا وحمايتهم، فالانقسامات الراهنة في صفوف القوات الكوردية (حلفاء أمريكا) تستدعي تفاهمًا مشتركًا واستراتيجية دبلوماسية أمريكية واضحة في المنطقة– لتشجيع التماسك والتعاون بين الأطراف الكوردية في سوريا.

ولابد للولايات المتحدة من تقديم المزيد من الدعم الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي لحلفائها، وتشمل برامج التدريب على القيادة والحكم الرشيد ومبادئ الديمقراطية، وهي برامج يحتاجها الحلفاء بشدة. ويجب أيضًا على الولايات المتحدة أن تعرض عليهم برامج للتبادل الثقافي والتعليم ومشاريع لتطوير الإعلام وحرية التعبير.

علاوةً على ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تتحرك لفتح مكتب للشؤون الكوردية في وزارة الخارجية الأمريكية ،من شأنها (المكتب) أن يحدّد بوضوح الدور الدبلوماسي للقوى الكوردية في سوريا ويبيّن التزام الولايات المتحدة تجاههم.

ولهذا فأن عملية الاستقرار في المنطقة صعبة جداً في ظل الوصاية الأمريكية ، وأن الدول الباحثة عن الاستقرار الداخلي عليها أن تعتمد على جهود فردية داخلية بعيدة عن التدخلات الأمريكية وابتعادها عن الصراع الإقليمي.

الهوامش:

Generating Dialogue impacting fikra forum1-

2-مركز الفرات للأبحاث الستراتيجية

 

كوردستان
هل ترغب بتلقی الإشعارات ؟
احصل على آخر الأخبار والمستجدات