في الثالث من آب 2014 تعرضت مدينة سنجار (شنكال) واطرافها لغزوة همجية من قبل منظمة داعش التي سبق لها وان اجتاحت كامل محافظة نينوى العراقية، ولم يتبق امامها الا سنجار الواقعة الى الشمال الغربي من مركز مدينة الموصل بحدود 120كم، والتي حاصرتها قوات داعش من كل الجهات نهاية تموز وبداية آب 2014م، الا من ممر جبلي ضيق على الحدود السورية العراقية.
وقد أدت تلك العملية المتوحشة الى قتل الألاف وسبي أكثر من ثلاثة الاف وخمسمائة امرأة ناهيك عن استعباد الاف من الاطفال واعتبارهم جواري مع امهاتهم تم عرضهم للبيع في اسواق أعدت لذلك في مناطق سيطرة تنظيم الدولة في العراق وسوريا، كما أدت تلك الغزوة البربرية الى تدمير شامل للمدينة ونواحيها، بما في ذلك المساجد والكنائس والمعابد والمزارات الايزيدية، ولم تنجو منارة سنجار الاتابكية التاريخية من هوس ارهابهم وتدميرهم فنسفوها واحالوها الى كومة من تراب.
وفي الذكرى السادسة للكارثة اصدر مكتب انقاذ المختطفين الإيزيديين التابع لحكومة كوردستان، وهو الجهة الرسمية التي اعتمدت الامم المتحدة على احصاءاتها، خلاصة لنتائج ما حصل في سنجار المدينة والقضاء منذ 3 آب 2014 وحتى شهر ايلول من هذا العام 2020م:
- عدد الشهداء في الايام الاولى من جريمة الابادة 1293 شهيد.
- عدد المختطفين 6417 منهم : الاناث 3548 الذكور 2869.
- عدد الايتام التي افرزتها الجريمة 2745 يتيماً ويتيمة.
- عدد المزارات والمراقد الدينية المفجرة من قبل داعش 68 مزاراً ومعبداً.
- عدد المقابر الجماعية المكتشفة في شنگال حتى الان 83 مقبرة جماعية، إضافة الى العشرات من مواقع المقابر الفردية .
- أعداد الناجيات والناجين من قبضة داعش الإرهابي كالاتي:
المجموع: 3537 منهم النساء: 1201 الرجال: 339 الأطفال الإناث: 1043 الأطفال الذكور: 954.
- عدد النازحين نحو 310.000 نازح
- المتبقون حتى ايلول 2020 : 2880 منهم: الاناث: 1304 الذكور: 1576 .
حينما نقرأ هذه البانوراما الرقمية ونرى ما حصل في مدينة سنجار من خراب كلي، ونستمع قصص الاهالي نستذكر كوارث انسانية مماثلة سبقتها في تاريخ البشرية المعاصر، ففي التاريخ القريب لن تنسى الاجيال جرائم البوسنة والهرسك وما حصل في سراييفو بيوغسلافيا القديمة على ايدي المتطرفين والمتشددين الصربيين عرقيا ودينيا، وفي التاريخ الابعد قليلا في اليابان التي تعرضت لمأساة القصف النووي على ناكازاكي وهيروشيما، ناهيك عن حرب الابادة في رواندا وفيتنام وكمبوديا، وفي كل هذه الكوارث الجرمية لم تكن القضية مجرد معركة أو صراع بين الاطراف بقدر ما كانت اعتداء على الجنس البشري عموما، ولا ننسى ما حصل في حلبجة وكرميان وبادينان من قصف كيمياوي، وما فعله أدولف هتلر في افرانه سيئة الصيت لليهود، وكذا فعل صدام حسين وقبله الطورانيين بالكورد والأرمن، جميعهم وان اختلفت اسبابهم ومبرراتهم استهدفوا قيم إنسانية وأخلاقية عليا، استدعت اهتمام العالم بأسره باعتبار ما فعلوه جريمة بحق البشرية جمعاء وليس بحق الكورد أو الأرمن أو اليابانيين لوحدهم.
واليوم وبعد عشرات السنين من تلك الجرائم التي إدانتها البشرية المتمدنة، تظهر للوجود مجاميع من الفاشيين العنصريين الكافرين بكل أخلاقيات المدنية والحضارة الآدمية، لكي يتجاوزوا كل مجرمي التاريخ بأفعالهم ويستبيحوا مدنا وبلدات وقرى لواحدة من أقدم ديانات الأرض التي وحدت الله وعبدته دونما رياء أو تمظهر أو مزايدة، أولئك هم الايزيديون الذين يُحاربون عبر مئات السنين من قبل فاشيين وعنصريين قوميين ودينيين ويهدفون إلى إلغاء وجودهم وإبادتهم أو إذابتهم في بودقة كيانهم الفكري والثقافي والقومي، وما حصل في شنكال أو سنجار وبعشيقة وبحزاني والقرى الايزيدية والمسيحية والكاكائية، لم تكن معركة أو غزوة محلية أو إبادة بشرية فقط، بل كانت جريمة بحق الآدمية ومبادئ وقيم الأخلاق والحضارة، ومحاولة لنسف كل انجازات البشرية لمئات السنين من التحضر، فقد استهدفت جحافل ظلامية من المتوحشين الفاشيين العنصريين القوميين والدينيين قرى شنكال وبلداتها ومركز مدينتها بهمجية لا نظير لها في التاريخ المعاصر، إلا اللهم إذا ما قورنت مع ما نقلته لنا صفحات تاريخ المدن التي استباحها المغول والتتار أيام هولاكو وتيمورلنك، فقد اندفعت مئات الوحوش البشرية المسلحة بالحقد والكراهية وحب القتل والتلذذ به، مع احدث الأسلحة التي غنمتها من دولتين ضعيفتين هما سوريا والعراق، لكي تستبيح بلدات آمنة وسكان توقعوا أي شيء إلا ما شهدوه من كائنات منحرفة فقدت كل ما له علاقة بالآدمية، واندفعت أفواجا جائعة للدماء والمال والجنس، والتلذذ بالقتل والذبح والنهب والسلب والاغتصاب والاستعباد باسم الدين تارة وباسم العرق تارة أخرى.
وخلال اقل من ثلاثة أيام تم للإرهابيين احتلال مدينة خالية من أي حياة بشرية متمدنة، حيث قتل من قتل واسر من أسر وهرب من هرب، ورفضت هذه المدينة وقراها أن تقبل حكم هؤلاء الهمج مختارة الموت أو الهجرة على استعبادهم، إلا من وقع تحت أسرهم من النساء والأطفال، وبذلك يسجل تاريخ الهمجية واحدة من أبشع عمليات الإبادة والاستباحة للسكان بما يجعل القضية إنسانية عالمية أكثر من كونها عملية إرهابية أو صراع سياسي أو ديني، حيث استهدفت السكان لسببين رئيسيين أولهما قومي كوردي وثانيهما ديني ايزيدي مسيحي شيعي، حيث تعرض المسيحيون على قلتهم في المدينة لخيارين إما الإسلام أو دفع الجزية، بينما يقتل الشيعي والايزيدي إن رفض اعتناق عقيدتهم ومذهبهم، وهذا ما حصل فعلا للمكونين الدينيين، مما تسبب كما ذكرنا في إخلاء السكان لبيوتهم وقراهم واللجوء إلى مناطق آمنة في كوردستان.
وفي حقيقة الأمر لم تكن العملية مجرد عملية عسكرية لاحتلال مدينة أو منطقة، أو إسقاط حزب أو قوة عسكرية مهيمنة كما يقزمها البعض، بل كانت عملية منظمة ومخطط لها عبر سنوات من اجل إبادة مكون ديني بذاته، حيث استخدمت أكثر العناصر شوفينية وفاشية وبدائية، ومعظمهم من القرى والصحاري أو ما تسمى بالجزيرة المحيطة بالمدينة وقراها، وهذا ما حصل فعلا في سنجار التي تضم الأغلبية الايزيدية في العراق، والتي تعرضت معظم قرى هذا المكون إلى الإبادة الجماعية الوحشية سواء بالقتل أو القلع، حيث أرغمت وحشية المهاجمين وهمجيتهم السكان على الاقتلاع من أراضيهم وترك كل شيء حفاظا على النساء والأطفال، وقد سقطت آلاف الأسر بأيدي هؤلاء الهمجيين الذين اعتبروهم غنائم حرب وسبايا وفرضوا عليهم عقيدتهم، بل ووزعوا الفتيات على أفرادهم بالتزويج القسري في أسواق المدن والبلدات التي استباحوها.
إنها عملية يندى لها جبين البشرية والحضارة الإنسانية وتستدعي حقا أن تكون قضية عالمية يتداعى لها المجتمع الدولي لوضع آليات وضمانات ليس لهذا المكون فحسب بل لكل المكونات الدينية والعرقية الصغيرة في العالم وخاصة في المجتمعات العربية والإسلامية والشرقية عموما، لأنها تتعرض لعمليات إبادة على خلفيات عقائدية أو عرقية شوفينية منذ مئات السنين دون أي رادع يردعها عن ارتكاب هذه الجرائم، وقد آن الأوان للعالم المتحضر أن يتخذ قرارات واليات لحماية هؤلاء السكان في كل أنحاء العالم، وملاحقة منفذيها اينما وجدوا وفي أي زمان ومكان، كما حصل لمجرمي النازية والفاشية بعد الحرب العالمية الثانية.
*ملاحظة: هذه الإحصائيات معتمدة لدى الأمم المتحدة وهي لا تشمل الخسائر المادية في الاملاك والاراضي والثروة الحيوانية والزراعية والسيارات والمعامل.. الخ.
مكتب انقاذ المختطفين الإيزيديين