رضخت غالبية دول العالم الثالث تحت نير الاستعمار المباشر المتمثل بالدول الكبرى بعد اتفاقية سايكس بيكو المشؤومة عام 1916 لتجزئة الوطن العربي, تلتها حقبة من تسلط الأنظمة الدكتاتورية لتزيد في الطين بلة من معاناة الشعوب البائسة في الظلم والجهل والفقر والمرض كما خطط لها وفق إستراتيجية منهجية مدروسة لسهولة السيطرة على منابع النفط ونزف مواردها الإقتصادية والتحكم بمقدرات أنظمتها الإدارية التي لا حول ولا قوة لها وبالنتيجة ظهرت حركات التحرر التي تنادي بالحرية والإستقلال, وكان للعراق نصيب مما ذكر حتى تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حيث توالت عليها الأدوار السياسية من النظام الملكي وتلاها النظام الجمهوري من خلال مروره بثورات وانقلابات عسكرية دموية لغاية تحريره من النظام البائد عام 2003 وتغيير نظام الحكم الفردي إلى فضاء رحب من الديمقراطية وما يسمى بحكم الشعب بعيداً عن كل أشكال الدكتاتورية والحكم الشمولي وتشكيل حكومة تضم جميع أطياف الشعب العراقي, لكن الديمقراطية التي نشهدها الآن ديمقراطية عابرة لكل المفاهيم الديمقراطية المعمولة في دول العالم , حتى يتم تفريغها من مفهومها الذي من أجله وجدت الديمقراطية.
فبعد إجراء الانتخابات النيابية في الثاني عشر من أيار الماضي وإعلان النتائج وما شابها من عمليات تزوير , عدها المراقبون للأحداث السياسية بأنها أسوء عملية انتخابية شهدها العراق, حتى انبرى مجموعة من النواب الخاسرين والذين أوجدتهم الصدفة على الساحة السياسية ومن الذين فقدوا ثقة الشارع العراقي لفشلهم في أداء دورهم التشريعي والرقابي خلال الدورة الأنتخابية للطعن بنتائج الأنتخابات ولملمة جراحاتهم من خلال تعديل قانون الإنتخابات رقم 45 لسنة 2016 ليتوافق وأمزجتهم السياسية وتتماشى مع مصالحهم الضيقة ولثلاث تعديلات خلال أشهر معدودة لم تحصل مثلها في كل برلمانات العالم التي تؤمن بالديمقراطية , متجاهلين أبرز القوانين التي من شأنها تسوية المشاكل العالقة بين بغداد وكوردستان وما له مساس بحياة المواطنين ومن أهمها عدم تطبيق المادة 140 وعدم تشريع قانون النفط والغاز ومجلس الإتحاد التشريعي الذي يراوح على رفوف يعلوها الغبار على مدى الدورات الإنتخابية السابقة , وخاتمتها محاولات يائسة لتمديد عمر البرلمان المتبقي الذي لا يتجاوز أيامه عدد أصابع اليد بالرغم من إعتراض بعض الكتل ومقاطعة البعض الآخر لجلسات مجلس النواب المنتهية ولايته وأتخاذ قرار المحكمة الإتحادية ذريعة قانونية حيث جاز للبرلمان الإشراف على عمليات العد والفرز اليدوي والمصادقة على النتائج النهائية, خلافاً للمادة 56 من الدستورالتي تنص على ( تكون مدة الدورة الإنتخابية لمجلس النواب أربع سنوات تقويمية, تبدأ بأول جلسة له, وتنتهي بنهاية السنة الرابعة ) ولا ينص الدستور على تمديد عمر البرلمان الاّ في حالة عرض الموازنة الاتحادية والمصادقة عليها .
هكذا هي الديمقراطية في العراق والتي لا حدود لها, حتى تلبي طموح الفاسدين والفاشلين سياسياً والمتشككين بنتائج الانتخابات للتشبث بالسلطة مهما كلف الأمر ويقاتلوا تحت قبة البرلمان حتى آخر لحظة ليضفوا على قراراتهم اليائسة غطاءً قانونياً ما أنزل الله به من سلطان, سوى خدمة أجندات خارجية عملوا في ظلها لسنوات خلت ومحاولة إدخال البلد الى فراغ دستوري وتحويل الحكومة الى حكومة تصريف أعمال ويفتحوا الباب على مصراعيه لعودة عصابات داعش الإجرامية ليفتك بالشعب العراقي دون وازع ولا رادع . وختاماً أقول ( كل ما زاد عن حده إنقلب الى ضده ).