كفاح محمود كريم
بعد أكثر من سنة من إجراء استفتاء كوردستان ما يزال البعض يربط بينه وبين إعلان الدولة والاستقلال، مدعيا بان العملية برمتها مؤامرة امبريالية صهيونية يراد منها تقسيم البلاد واقتطاع جزء من أراضيها وسيادتها، دونما الغوص في الأسباب والمسببات، بل دونما فهم عقلاني لعملية الاستفتاء كممارسة إنسانية ديمقراطية متحضرة، باتهامات أدمنا عليها منذ تأسيس مملكة العراق ومن يعارض حكامها فهو عميل وخائن يستحق القتل والإبادة، كما فعلوا منذ ثلاثينيات القرن الماضي وحتى اجتياح كركوك واستباحتها مع شقيقاتها المدن التي عملوا منذ قرن على تشويهها ديموغرافيا وبأسلوب عنصري مقيت، هذا السلوك ممزوج مع فعالياتهم التي شهدناها في الأنفال والمقابر الجماعية والمدن التي أحرقت بالأسلحة الكيماوية خير دليل على ثقافة التعامل مع الآخر المختلف تحت مضلة دكتاتورية قومية أومذهبية رعناء.
لقد تصور الكثير إننا إزاء مرحلة جديدة من قيام نظام سياسي يضع أمام أنظاره كل تلك المشاهد المرعبة، مستخلصا منها دروسا ترسم له خارطة طريق جديدة تبنى على أساسها دولة يعتز بها مواطنوها، وتعوضهم عما فاتهم من فرص ومن خسائر نتيجة تلك الماسي، كما حصل في كثير من البلدان التي تسببت أنظمتها النازية أو الفاشية في كوارث ومآسي للشعوب، لكن ما حصل خلال أربعةعشر عاما بعد أن اسقط الأمريكان نظام حزب البعث ورئيسه صدام حسين، وخاصة في التعاطي مع ملف كوردستان، لم يختلف كثيرا عما نالته خلال فترة الحصار أو عما قبله بإقحام القوات المسلحة وتوابعها في حل النزاعات مع الإقليم بأخطر خرق للدستور، وذلك باجتياح المناطق المستقطعة من كوردستان والمشوهة ديموغرافيا والمعروفة بالمناطق المتنازع عليها وهي ليست كذلك، لان النزاع الحقيقي هو مع من احدث فيها تغييرات اجتماعية وقومية ومذهبية بغرض سلخها من كوردستان، ولذلك افرد لها قانون إدارة الدولة المادة 58 والتي لم تنجز بسبب ذات العقلية الحاكمة، وفي عملية تمييع وتسويف تم دفعها إلىالدستور الدائم والتي عرفت بالمادة 140 التي يناضل الحاكمين في بغداد على عدم تنفيذها، بل العمل المضاعف من اجل إلغائها وعودة سياسة التعريب والتغيير الديموغرافي إلى كل من سنجار وكركوك وخانقين وطوزخورماتو وسهل نينوى، بذات الادعاءات التي كانت الأنظمة السابقة تسوقها وتكيفها قانونيا.
لقد بدأت عمليات الإقصاء والتهميش لكوردستان وشعبها بعد اقل من سنتين من دورة حكم المالكي الأولى واستمر لحين إفراغ وزارة الدفاعوالداخلية والمفوضيات المستقلة وكثير من الوزارات المهمة من الكورد، حتى بلغت نسبة وجودهم في الجيش اقل من 2% بعد أن كانت بحدود 20%، وهكذا دواليك في الخارجية وبقية الوزارات، وقد بلغ هذا التهميش والإقصاء ذروته بعد تحطيم الهيكل العسكري لمنظمة داعش، وتوهم البعض في إزالة الإقليم وإنهاء الفيدرالية، فما حصل في كركوك وسنجار ومخمور وزمار وطوزخورماتو أكد النية السيئة في اجتياح العاصمة اربيل وإسقاط فيدرالية كوردستان تحت غطاء ضبط الأوضاع وحفظ القانون كما كان يصرح عبادي وغيره ممن استهوتهم سلطة التفرد والاستبداد.
إن التهميش والإقصاء وهضم الحقوق كان وراء كل ثورات وانتفاضات شعب كوردستان منذ مطلع القرن الماضي وانتفاضة الشيخ عبد السلام بارزاني (1909-1914) وحتى قرار شعب كوردستان وقائده مسعود بارزاني باستفتاء 25 أيلول 2017م، حيثجربت كل الأنظمة التي حكمت هذه البلاد مختلف الأساليب في التحايل والتسويف والكذب والمراوغة وصناعة الخيانة وأفواجها أو أحزابها الكارتونية، وأنواع الحروب البرية والجوية والكيماوية ولم تحقق إلا مزيد من الخراب والدمار والدماء للعراق، واليوم وبعد أكثر من خمسة عشر عاما على سقوط النظام الدكتاتوري، وبعد سنة من اجتياح كركوك وسنجار وخانقين، فان عمليات التعريب جارية بشكل بشع مضافا إليها التغيير المذهبي في كركوك والتطهير العرقي والمذهبي في طوزخورماتو، وفي سنجار عادت عملية صناعة الجحوش والعملاء وتصنيع قوميات وأحزاب كارتونية، وكذا الحال في سهل نينوى وخانقين ومخمور وزمار، مما يستدعي من الحكومة الجديدة ورئيسها الذي يتمتع بمقبولية من لدن زعماء كوردستان وأحزابها، أن تعي خطورة ما يحدث وان تدرك جيدا العلاقة بين الإقصاء والاستفتاء، وتعرف حقيقة شعب لا يرتضي إلا أن يعيش حرا أبيا بكامل حقوقه وتطلعاته في دولة اتحادية تعددية ديمقراطية بشراكة حقيقية.