رفعت حاجي
من المحزن ما وصلت اليه بعض السياسات في المنطقة، حيث تتبنى مقاربات تتجاهل فيها السياسات المتمترسة لوكلاء المتصارعين على الجسد السوري، وما تشكله من خطر على التكوين الديموغرافي السوري بشكل عام والكوردي منه على وجه الخصوص، وقد أدى هذا العمل الممنهج لتبني المتناحرين في العراك السوري استراتيجية التقارب مع تأجيل التناقضات بالكامل حتى قبل تحديد الوجهة السياسية، والتخطيط لخوض غمار التنافس لإنتزاع مقتنيات الذي يرقد في الإنعاش .
ولاستمالة العمل بشكل وثيق يعتمده اللاعب الأقوى على اتخاذ القرارات التي نراها اليوم عن طريق التقارب مع دول الجوار تحت غطاء محاربة إيران، لا بد أن نقر بما نعرفه وهو مدى (جهلنا لهدف إدارة ترامب) يفرض القبول بمقترحات أكثر واقعية، فالإدارة الأميركية الجديدة تتبنى استراتيجية (القبول بالواقع الجديد، والرضى بأقل مما وعدوا به).
وأن لاتفصيلات حول صفقة القرن، ويظهر بوضوح ما كان يلوح به البعض منذ زمن، وهو أن الإدارة الأميركية لا تمتلك الحد الأدنى من التعاطف مع شعوب المنطقة، وإنها تنظر لعلاقاتها في المنطقة من منظور العداء لإيران فقط، وأنها استغلت الأجواء لتبني صداقاتها مع المنطقة وفقا لهذا المنظور، وذلك تمثل تحديا لطهران التي تبدي أنها مالكة حق في سوريا، لأنها أنفقت كثيرا من المال والطاقة والأرواح وتتطلع حاليا للحصول على عوائد تلك النفقات التي تحاول بالحفاظ على مكاسبها في المنطقة وتفادي عزلة دولية عقب القرار الأميركي الأقرب الى حرب إقتصادية.
ففي سوريا، بدأ الغالبية يتهمون إيران بإثارة التوترات، كما أن روسيا ، وهي الشريك الأجنبي الرئيسي للنظام السوري، أظهرت تململا من الوجود العسكري الإيراني المتنامي الذي أصبح عبئا متزايدا، وألمح إلى أنه قد تم بالفعل عقد صفقات عدة ، مخافة الإمتداد إلى المنطقة الحدودية في الجنوب، لضمان فك ارتباط القوات الإيرانية، و تجنب الهجمات العسكرية الإسرائيلية على وحداتها، وحرصت تل أبيب وموسكو على التنسيق الدائم بينهما وفق الخطوط الحمراء الإسرائيلية المعلنة بعد فشلها في إقامة منطقة عازلة تحت نفوذها في الجنوب السوري على طول الحدود مع الجولان، فبدأ برسم خطوط حمراءة للنظام السوري وإيران، في قمة سلم التحديات التي تواجهها، بحظر وجود قوات عسكرية تابعة لإيران ولحزب الله ولمليشيات إيران الأخرى في جنوبي سوريا قرب الجولان.
دون أن يُتوقع من روسيا معالجة طلب إسرائيل، فموسكو بحاجة إلى هذا الوجود لحماية نظام الأسد واستعادة نفوذه في مختلف أنحاء سوريا، وعليه يقول الدكتور مصطفى اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية أن" روسيا ليس لديها الكثير من الحلفاء في المنطقة بالإضافة إلى أن تواجد روسيا في سوريا لم يكن ليستقر دون وجود القوات الإيرانية والميليشيات المتحالفة معها وهي التي تدفع فعلياً الثمن بضحايا من قواتها في حين أن روسيا متركزة في عدة مناطق محددة وخسائرها ليست بالكبيرة بعكس خسائر الميليشيا الموالية لإيران، وبالتالي من المستبعد جدا أن تبيع روسيا إيران، ولكنها قد تكون في وارد الضغط عليها لكي لا تحول إيران سوريا إلى جنوب لبنان آخر وحتى لا تصبح ساحة مواجهة مع إسرائيل وهو ما لا تريده روسيا ولا تريده تل أبيب، وبالتالي فالأكثر منطقية هو أن ترسم روسيا خطوطاً حمراء أمام إيران تمنع من التصعيد".
أما ولاية الفقيه فسارعت الى قمة ثلاثية دون التركيز على أي ثوابت معتمدة المراوغة والتفنن في نفق المشتركات الواهية مع منافسيها والمجاملات بالصبغة الدينية مع تركيا التي تنافسها في الجهة الأخرى من إباحة المدن السورية، بالإضافة الى مكيال تبييت الضغينة لأمريكا مع روسيا التي تأبى كل الإستراتيجيات ضمهما، في مساعي طهران لترسيخ وجودها العسكري بسوريا، وتعزيز المليشيات السورية التي تأتمر بأمرها.
هنا لابد من لإقناع بخطورة الموقف لصعوبة تحقيق ذلك عمليا، لندرك أن أي صفقة قرن ستولد ميتة ولن تنجح سوى في تأجيل الحل، حتى تصبح خطة تخفيض التصعيد تتوسع وتتمركزأغلبية واضحة داخل المناطق التي تسيطر عليها، وقتها سيفرض الحل الديموغرافي نفسه. الأمر الذي يستوجب عدم تغييبه في هذا الإطار من الآن فصاعدا معتمدين على العامل الخارجي التي يغير من درجة اللون الأحمر في الخطوط كلها.
رفعت حاجي