رفعت حاجي
انشغلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع الأخير محاولة بعض الأوساط الشروع في وضع ملامح للتسوية في سوريا، بإطلاق تصريحات بالجهوزية للتفاوض، برزت في بعض جوانبها تناقضات مع أولويات التسوية والإقدام على خطوة تحول جذري في بلد عصفت به كل صنوف المأسي قرابة عقدٍ من الزمن.
حيث بدأ الظاهرة المحدثة بقدوم وفدٍ يلفه الغموض يرجّح أن الأسد أرسله الى المنطقة الكوردية، مكلفا بالتفاوض مع السياسيين الكورد، بطريقة لا تمتّ بأية صلة لمبادئ التفاوض.
وفي الصدد، بدا أن أطرافا عدة تشارك في هذه الظاهرة التي تتوهم بأنها (مفاوضات)، أو اللقاءات التشاورية – كما وصفوها- ليعلنو إستعدادهم لمفاوضات بدون شروط مسبقة، كما بدا جلياً ان الولايات المتحدة وحلفاؤها في الفترة الأخيرة يميلون إلى الإجراءات الدبلوماسية.
أما عن الشروط التي من الممكن أن تبدأ التسوية السلمية والتي يبدو أن البعض واثقون من الإستجابة لها، هل حقيقةً سيحترم الأسد المبادئ الديمقراطية للمعارضة في الاعتراف بحقوق الكورد والآخرين سياسيا؟، والأمر الذي يفترض تغييرات كبيرة، لتتحول سوريا إلى فدرالية؟.
إذا ماتم استيفاء هذا الشروط، فمن المرجح أن يحل دبلوماسيون قريبا محل العسكريين، وتتوقف القوات الأجنبية عن مشاركة القتال في سوريا، لكن هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن توقف هذه العملية، إلا إذ اتبع الأسد استراتيجية تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وبلدان التحالف، فإنه يمكن أن يحقق نجاحاً، وهذا الأمر الذي لم يرى له بارقة أمل في الأفق القريب.
فبالإشارة الى اتساع هوة التباينات بين روسيا وإيران في سوريا أخيراً، على خلفية التفاهمات التي توصلت إليها موسكو مع تل أبيب بشأن ضرورة انسحاب إيران والميليشيات الموالية لها من الجنوب السوري، كان يمكن القول إن هذه العملية إيجابية، لولا أنها تهدد روسيا بخسائر فادحة في منطقة الشرق الأوسط.
فالحقيقة هي أن السلام المقترح في سوريا مبني على الشروط الأمريكية، أي أن دمشق مدعوة لقبول جميع شروط الجانب الكوردي، والذي في جميع مساعيه الدبلوماسية يعتمد بشكل كامل على الرعاة الأميركيين، خاصة بعد تخليها عن المعارضة في الجنوب، وتحذيرها من مغبة التصدي لأي هجوم محتمل في إشارة الى تمدد الفرقاء، على شاكلة كارثة جيوسياسية عظيمة على المستوى الإقليمي، الأمر الذي لايناسب روسيا واعمالها العسكرية في سوريا.
لكن مايناسب روسيا خيار مختلف تماماً، هو أن تبقى سوريا موحدة تحت قيادة الأسد وسياسيين مؤيدين له، والكورد كأحد أكبر القوى في سوريا يحصلون على تمثيل شكلي أو وهمي متمثلٍ في شخصيات ترعرعوا في كنف البعث يتوهمون بسلطة تتيح لهم التأثير على الوضع في جميع البلاد وفي المناطق الكوردية.
إلا أن كل شيء يجري الآن في طريق آخر، كما أن أهداف موسكو الإقليمية تستدعي الاستماع جيداً إلى مطالب الحكومة الإسرائيلية، كما أن جلّ اهتمام واشنطن انصب في التوصل الى اتفاق مع أيران حول النووي وعدم الإحتكاك باسرائيل.
وتعمد دبلوماسيون روس التذكير في هذا الإطار بالعبارة التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين مباشرة بعد قمة سوتشي التي جمعته مع نظيريه التركي رجب طيب إردوغان والإيراني حسن روحاني، حول أن «التنازلات لإنجاح التسوية مطلوبة من كل الأطراف بما في ذلك من الحكومة السورية».
الأمر الذي استلهم دمشق لفتح خط التفاوض مع الكورد بدوافع داخلية منها الدور الذي أداه الكورد خلال الأزمة السورية وكسبهم دعم دولي، ووجود قوات سوريا الديمقراطية التي أشار اليها الأسد، وبالنظر إلى الظروف السائدة في سوريا حاليا، فإنه يفضل استخدام إمكانيات هذه القوات لحل الأزمة بدلا من مواجهتها، وذلك من خلال دمجهم في سوريا الموحدة، حتى وان كان ذلك على حساب إعطائهم ادارة ذاتية داخل الحدود السورية، كما صرح به وليد المعلم عندما كان وزيرا للخارجية، ليبعد شبح الدولة الكوردية التي تطارد جيرانها الأتراك الذين إحتلو جزءاً من محافظتين سوريتين.
هذا يعني أن كل الدعوات للتفاوض ما زالت في مرحلة إطلاق «بالونات اختبار» لتحديد ملامح أولية للتسوية المحتملة في سوريا على ضوء اتصالات مكثفة حاليا مع إسرائيل ومع فرنسا التي نشطت سياساتها في سوريا مؤخراً، وعلى خلفية اقتراحات أوروبية بتشكيل آلية مشتركة للحل تجمع بين مسار آستانة ومجموعة إقليمية دولية واسعة تضم بلدانا عربية مؤثرة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبعض بلدان الاتحاد الأوروبي.
لكن المشكلة الرئيسية التي تعترض هذا المسار غياب الحوار الروسي - الأميركي الذي لن تكون العلاقة بين موسكو وباريس قادرة على تعويضه حاليا، لتبقى الأحاديث الروسية عن خروج كل القوات الأجنبية من سوريا، بما فيها الإيرانية، جزءا من بالونات الاختبار ومساعي التحضير لكسب الوقت بغية توطيد مصالحها في مناطق نفوذها بسوريا.
رفعت حاجي