كثيرا ما نتصفح الجرائد أو المجلات ومواقع التواصل الأجتماعي ونشاهد القنوات التلفزيونية دون أن تلفت أنظارنا معلومات ومقالات وتقارير وصور ومنشورات فيها , فنحسب أنها عادية وغير مهمة , ولا نبالي بها وتمر علينا مرور العميان . ولكن أجهزة الأستخبارات الدولية التي تتصارع فيما بينها وتخوض حروبا دون هوادة , تأخذ هذه المعلومات والمنشورات والصور والمقالات والتقارير والدراسات والإعلانات بشكل يومي وتضعها تحت عدسات المجاهر لتأخذ منها المعلومات التي تهمها وتستفاد منها لمصلحة بلدانها , كل جهاز مخابراتي دولي بشكل خاص . وبهذه الطريقة يمكن لهذه لأجهزة الحصول على أدق التفاصيل والأسرار السيادية والجوهرية لأحداث تقع في أي بلد في العالم .
وهذه هي أهمية وسائل الإعلام !.
وأثناء الحرب الباردة حصلت الأتحاد السوفييتي على أدق الأسرار العسكرية الأمريكية من وسائل الإعلام الأمريكية ذاتها كما تذكر بعض الكتب . والمخابرات الإسرائيلية تصرف عشرات الألوف من الدولارات على عملاء لها لا عمل لهم إلا شراء الصحف العربية يوميا وإرسالها إلى مراكز المخابرات أينما كانت ! , ليقوم قسم الصحافة بأخذ ما يحلو له منها , كذلك تقوم بمتابعة وسائل الإعلام العربية الألكترونية متابعة دقيقة , ثم يقوم بإرسال الباقي إلى الإذاعات الإسرائيلية , ومن هنا يعرف القارئ من أين تستقي إذاعات إسرائيلية تعليقها على ما تنشره وسائل الإعلام العربية .
وهذه هي أهمية وسائل الإعلام !.
اليوم في عالمنا المعولم :
لا يمكن للمجتمعات الحديثة البقاء قوية دون انتشار واسع ودون اتصالات حديثة , لا يمكن لأي مجتمع أن يعزل نفسه عن العالم ولا يمكن لأي مجتمع البقاء محايدا بشأن أحداث تصيب المجتمعات الأخرى , فالمعلومات عن الاحداث التي تقع في اي مكان من العالم تذاع في كل مكان خلال إن لم نقل ثواني قليلة فدقائق قليلة , وقد اصبح العالم فعلا بمثابة مستمع واحد , وخاصة الاجزاء المتقدمة تقنيا منه حيث تحركه الاحداث ذاتها وتدفعة الميول ذاتها ويمكن عند إثارة أي حادثة او ثورة معرفة تكتيكات جميع الاطراف فيها والنجاحات التي يحققها كل طرف , وكذلك اغتنام الاخطاء في سبيل مصلحة البلاد , ولا يكون ذلك لا بمرئة من العين بنسبة عالية جدا .
للصحف والتفلزة والراديو ومواقع التواصل الأجتماعي التي تطورت حديثا تاثير مضاعف في الابلاغ عن أحداث تقام سواء داخل البلد او خارجها , ونحن نعلم ان وسائل الاعلام كلها تلعب دورا هاما في بث التوجهات والقيم الحديثة الى الامم الجديدة او الدول الجديدة , فعلاوة على اعطاء معلومات محدده وفورية عن الاحداث السياسية في العالم فان وسائل الاعلام تنقل سواء بدرب مباشر او غير مباشر القيم الاساسية التي يقرها المجتمع والخبرة في المفاوضات وطلب الحقوق بشتى الطرق والوسائل وتنقل بعض الشعارات بطرق مثيرة للعاطفة , والاحداث التي يتم وصفها مع هذه الشعارات يكون لها لون عاطفي محدد إضافه الى أنه يمكن لوسائل الاعلام الموجهة ان تكون اداة قوية في تشكيل المعتقدات السياسية رغم ان المواطنين سرعان ما يجهلون الاخبار التي تتناقض مع معتقداتهم مع ما خبروه لأنفسهم .
بعد ان عرفنا أهمية وسائل الإعلام في تأهيلها السياسي للفرد ليس من الخطأ أن أقول : أن مجمل الاحداث والوقائع الآن في المجتمع العراقي من العنف , والإرهاب , والفهم الخاطئ للحرية من قبل الشباب , والطائفية القادمة من عقول ملالي النجف وكربلاء , وأنتشار المخدرات وإدمان الكحول , وفضائح وفساد السياسيين في بغداد والإتهامات الموجهة إليهم من قِبل الشعب , وحال المرأة الغير مسرة , والتخلف والأمية , وارتفاع نسبة الطلاق والانتحار , وتزايد أعداد الأرامل واليتامى , والتشتت الأسري , والتفلت الأخلاقي بكل صوره , وغيرها من المشاكل , سيجعل الفرد العراقي يأخذ تأهيله السياسي من وسائل الإعلام بطرق سلبية , لا يفهم من السياسة إلا الجوانب السلبية الضارة منها , وهذا المفهوم قد يدمر مستقبل السياسة الرشيدة في العراق وهذا واضح جدا من خلال الحملة الدعائية الإعلامية والسياسية الموجهة ضد شعبنا الكوردي الذي يطلب حقوقه المشروعة .