أربيل 15°C الثلاثاء 19 آذار 11:24

الديمقراطية بين (الفهلوة والكلاوات)!

حتى أن السابقين من سلفنا كانوا يصفون اللصوص بالشطارة أو ربما بالشجاعة أيضاً،
100%

الفهلوة مفردة من الدارجة المصرية يقابلها في الدارج العراقي الكلاوات، وقد بحثت عن مفردة في فصيح اللسان العربي تعبر عن معنى ما جاء في المفردتين الدارجتين بدقة بلاغتهما فلم أجد، لكنني وجدت العديد من المفردات الأخرى تقترب في بعض التوصيفات من الكلمتين وهي الهكاص والخباص والأزعر والملعّب ومسّاح الجوخ، وفي جميعها لم أجد ما يعبر بدقة كما عبرت عنه المفردتين في توصيف سلوك بعض الأشخاص في المجالين السياسي والإعلامي ناهيك عما يُعرف بالنفاق الاجتماعي ومجاملاته الكاذبة، وأبرز ما يمكن مقاربته مع المفردتين (أي الفهلوة والكلاوات) هو التحايل والنفاق والغش والتمويه لغرض تمرير أمر ما لمصلحة ومنفعة معينة تقع ضمن تعريف الارتزاق أو النفعية البغيضة، وبالتأكيد لا ينقص صاحبهما نوع من الذكاء الشيطاني الذي يطلق عليه هنا بـ"الشطارة”، حتى أن السابقين من سلفنا كانوا يصفون اللصوص بالشطارة أو ربما بالشجاعة أيضاً، وما أشبه اليوم بالبارحة فقد أصبحت عمليات الفساد وجمع السحت الحرام من المال العام شطارة وفهلوة.

لقد انتشر هذا الوباء النفسي والسلوكي بشكل مريع في أوساط السياسيين والصحفيين والإعلاميين، رغم وجوده أصلاً لكن بشكل غير وبائي، حيث توفرت له بيئة جعلته ينمو بشكل مضطرد أقرب ما يكون في نموه وانتشاره إلى الانشطار اليوغليني في هذه الأوساط التي انتعشت جداً في هذه البيئة الشمولية التي تعبد الأشخاص أو الأحزاب أو الأعراق أو المذاهب والأديان، وتجعل منهم أنداداً من غير الله، بل تصل درجة الفهلوة أو الكلاوات في صيغة النفاق والتدليس إلى درجة أن يقول أحدهم لرئيسه أنك الوحيد الأوحد ونعمة السماء على الأرض، وينفرد آخر بطلب عاجل لاستنساخ رئيسه قبل فوات الأوان، وهكذا يتمادى هؤلاء المشعوذون حتى يحولوا رؤسائهم إلى آلهة صغيرة أو أنبياء ورسل، وإذا تواضعوا اعتبروهم في مصافي الصحابة والأولياء والأئمة، وفي كل هذا المديح أو التدليس أو كما يسمونه هم أصحاب الفهلوة والكلاوات بأنها شطارة لتحقيق هدف ذاتي لا يتجاوز السلطة من خلال منصب ما أو مال بدون استحقاق أو جهد نبيل، وفي كل الحالات تبدو المعادلة بين الطرفين متساوية، أي بين الفهلوي والكلاوجي من جهة وبين من يتقبلها ويشجعها من جهة أخرى!

بعد احتجاجات ما سمي بالربيع العربي في معظم الدول التي استشرى فيها هذا النمط من الانقلاب الأحمر، وخاصة في العراق الذي سبق الجميع بهذا التغيير وبدون الاكسسوارات التي استخدمت مع غيره من البلدان أي بمعنى أن عرابي التغيير في العراق دخلوا مباشرة ببصاطيلهم وأزاحوا هيكل النظام وأنشأوا نظاماً على قياسهم وحقلاً مختبرياً لتجاربهم وممارساتهم دون أي اعتبار لتركيبة المجتمعات الشرقية وولاءاتها وتقاليدها وعاداتها السيئة منها والحسنة، واكتفوا بمجموعة أطلقوا عليها اسم (المعارضة) أقنعوها بأن الانتخابات الأمريكية أو البريطانية ستكون نموذجاً لسلمهم في الوصول إلى السلطة في بيئة تتحكم فيها القرية والعشيرة والدين والمذهب ورجالهما أكثر من تحكم الوطن البريطاني أو الأمريكي وحاجات مواطنيهما في عملية الانتخاب للنائب أو الوزير، ناسين أو متناسين هذا الكم الهائل من الموروث عبر مئات السنين بمختلف أنماط السلوك والثقاف الاجتماعية والمتكلسات الدينية والمذهبية والقبلية التي لا تسمح بتجاوز خطوطها الملونة مهما كانت صناديق الاقتراع وسلالمها التي انتعشت فيها وعليها أفواج من الفهلوية والكلاوجية، حتى غدت الظاهرة الأكثر وضوحاً ومباشرة في العملية السياسية منذ 2003 وحتى يومنا هذا!

وبغياب العدالة الاجتماعية وضبابية مفهوم جامع للمواطنة في بيئة مشتتة الولاءات والانتماءات، وهيمنة برامج متخلفة في التربية والتعليم، نحن إزاء قراءة جديدة للنظريات الديمقراطية وتطبيقاتها ومدى مواكبتها لطبيعة التكوين النفسي والتربوي والاجتماعي وموروثاته السلوكية من أجل الوصول الى صيغة تتلاءم وطبيعة هذه المجتمعات وثوابتها.

[email protected]

العراق
هل ترغب بتلقی الإشعارات ؟
احصل على آخر الأخبار والمستجدات