أربيل 9°C السبت 23 تشرين الثاني 05:28

إعلامنا .. ما اجتمع سياسي وفاسد إلا وكان الإعلام ثالثهما

الإعلام هو حالة تسويقية للأفكار
کوردستان TV
100%

د. سعد الهموندي

بداية دعونا نعترف أن الإعلام هو حالة تسويقية للأفكار، وهذه الأفكار هي ما تخضع أو تقنع الرأي العام بأشياء لربما ما أنزل الله بها من سلطان، من هنا سنسلط الضوء على الثلاثي الأكثر خطراً في وعلى حياتنا وهو الإعلام ورجل السياسة والفساد.

ففي مجتمعاتنا هناك تفاوت أو انفصام شخصي لدى الكثير من الشخصيات المجتمعية التي نعيش في وسطها، فنحن باعتبارنا مجتمعات ما إن نرى شخصية كنا نبغضها وقد تقلدت سلطة ما، حتى نسارع ألى تغيير قناعاتنا وآرائنا بما يتناسب مع حجم السلطة التي تقلدها هذا الفلان من الناس أو ذاك.

لنرى أن أولى لبنات الفساد تنبع من الطبقة الشعبية التي لا تتمسك بآرائها ولا بمواقفها بل تغيرها بحسب المصلحة والمنفعة وهذا جزء كبير من أجزاء صناعة الفساد الشعبي.

على الطرف الآخر ما إن نرى سياسياً تقلد أحد المناصب حتى يقف بين خيارين إما أن يحارب الفساد أو يجعله مطيعاً له، وفي أكثر الأحيان يبدأ سياسيونا بتطبيق قانون الإطاعة أولاً فالفاسد إما أن يكون من المنظومة السياسية أو ستحاربه هذه المنظومة، وأقصد هنا بالفاسد هو كل مواطن يحمل تناقضات وفسادا في قراراته كأن يكون موظفاً أو تاجراً أو صانعاً أو مزارعاً وما إلى هناك، عند هذا الحد نجد أن هناك معادلة واضحة في أن السياسي والفاسد يمتلكان مصالح مشتركة ويتقاطعان بينهما في العديد من الخيوط وحتى في المصالح السياسية والتجارية وغير ذلك الكثير، فالسياسي بحاجة إلى الفاسد ليصوت له مقابل أن يحمي السياسي الفاسد، والفاسد بحاجة إلى السياسي ليفتح له أفقا نحو المشاريع والأموال الطائلة مقابل أن يدفع الفاسد للسياسي حصة من هذه الأرباح والأموال.

وهنا يكون اللعب ممتعاً بين الفاسد والسياسي لكن لا بد أن يجتمع معهما الطرف الثالث الأكثر خطورة، وهو الإعلام، وكيف لا وهو الحامي والمدافع عن كل ما يفعلانه بل إنه يقوم بتنظيف وغسل سجلات السياسي والفاسد معاً، وهنا أقول لكم وللأسف الشديد إن كل سياسي أو كل فاسد فُضح أمره بالضرورة لم يعرف كيف يوظف الإعلام لحمايته، فالسياسي هنا دائماً سيكون بحاجة الإعلام لحمايته، والإعلام بدوره لا يعيش إلا على السياسة، خاصة وأن الإعلام يقف دائماً على مرمى حجر من السياسة، يراقبها وتراقبه، فالإعلام يرجع إلى القوى السياسية ليقول لهم هذا ما يقوله الناس عنكم وهذا ما يتمنونه منكم، ولم يكن غريباً بسبب حاجة السياسة والإعلام إلى بعضهما أن يكون لكل سياسي إعلام عميل له.

أيضاً لم يكن غريباً كذلك أن تشترك السياسة والإعلام في خصلة واحدة هي الميل إلى المبالغة بل وإلى الكذب أحياناً، فما إن يجتمع الاثنان حتى تصاحبهما المبالغة، فكلاهما يقوم بالتبليغ، ولا تبليغ بدون مبالغة، السياسي يرسل للمتلقي من خلال بيان يلقيه أو مؤتمر صحفي يعقده ما لديه من خطط وبرامج والمواطن هو المتلقي وهو الذي يتلقى كل شيء من صدق وكذب، وكثيراً ما يبالغ السياسيون عندما يعدون بأن خططهم ستحقق أكبر عائد وأن سياساتهم ستجعل الوطن أكثر أمناً وتطوراً، والمبالغة ليست غريبة لا على السياسة ولا على الإعلام وهي واضحة وضوح الشمس في منطقة الشرق الأوسط حتى للعوام، لذلك اعتدنا أن نسمع من الإعلام كلاماً إما يعج بالمدح أو يبالغ في القدح، وهذا الإعلام ليس إعلاماً حقيقياً بل أنا أسميه "متراس إعلامي" يكذب خدمة لمصالح السياسية والطائفية بمعزل عن المهنية والموضوعية، لذلك فاليوم نحن نحتاج في العراق إلى وأد لإعلام المتاريس واستبداله بإعلام شفاف وصحافة وطنية، وأن نتخلص من جرعات المبالغة الزائدة، التي تتشابه كثيراً مع الزائدة الدودية في جسم الإنسان التي حين تكبر وتتضخم تهدد الجسد فيصبح من الأفضل استئصالها.

نحن اليوم نحتاج إلى تأسيس إعلام جديد، إعلامٌ مهني بكوادر مدربة لا مسيسة، فعندها سنقول ما إن يجتمع سياسي وفاسد حتى يفضحهما الإعلام، لا أن يوسوس لهما، لأن الإعلام إن كان ثالث الفساد والسياسة سيسمح لهما بممارسة الرذيلة وعندها سيتم إنجاب أولاد الرذيلة "الفقر والبطالة والدعارة".

الشرق الاوسط
هل ترغب بتلقی الإشعارات ؟
احصل على آخر الأخبار والمستجدات